اختتم: يجب فتح نقاش حقيقي حول هذه الأفكار حتى لاتصبح المواجهة غاية في السطحية، على حد قوله. عن الخلافة في الإسلام والخلافة هي نظام قديم للحكم في البلدان الإسلامية، يقوم على استخلاف قائد مسلم على الدولة الإسلامية ليحكمها بالشريعة، وسميت بالخلافة لأن الخليفة يكون القائد، ويخلف النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام لتولي قيادة المسلمين والدولة الإسلامية، وحمل رسالته إلى العالم بالدعوة والجهاد. وفي التاريخ الإسلامي أول مَن أطلق عليه هذا اللقب، كان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسبب هذا اللقب أن الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يلقب بخليفة رسول الله، فلما بويع عمر للخلافة، ناداه الناس بخليفة خليفة رسول الله، فقال لهم إن هذا أمر يطول، فقولوا غير ذلك، فنادوه بأمير المؤمنين، فوافق. وأصبحت الخلافة ولقب الخليفة سنة بين المسلمين منذ ذلك الحين، وأطلق لقب الخليفة على الحكام منذ عهد الخلفاء الراشدين ابتداءً من عمر بن الخطاب حتى نهاية العهد العباسي، بينما كان علي بن أبي طالب، أول من لُقب بأمير المؤمنين بحسب العديد من الروايات. جدل وصراعات وطوال التاريخ الإسلامي والخلافة محل جدل وصراعات، فالخلافة عند أغلب فرق الشيعة كالإمامية والإسماعيلية أوسع من مجرد حكومة لتسيير أمور الناس في ضوء الشريعة، بل الخلافة عندهم إمامة والخليفة إمام، وهي بذلك امتداد للنبوة، وكلام الإمام وفعله وإقراره يجب الأخذ به وعدم معارضته مطلقًا.
ويتفق علماء الشيعة على أن الإمام يساوي النبي صلى الله عليه وسلم في العصمة والاطلاع على حقائق الحق في كل الأمور، إلا أنه لا يتنزل عليه الوحي وإنما يتلقى ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الخليفة عند السنة يخلف بتعيينه حاكمًا على الأمة، وسقط هذا النموذج في الحكم بالبلدان العربية والإسلامية منذ إسقاط الخلافة العثمانية عام 1924، واتجهت أغلب البلدان للنموذج المدني في الحكم مسايرة للتطور وحركة التحديث في العالم كله.
السبت 12/مارس/2022 - 03:25 م
مشاري الزايدي الكاتب والباحث
قال مشاري الزايدي، الكاتب والباحث، أن المتطرفين اختطفوا الإسلام وحرفوه حسب مصالحهم؛ موضحا أنهم يحاولون جعل الناس يرون الدين الإسلامي على طريقتهم الخاصة، على حد قوله. فراغ الساحة أمام التيارات المتطرفة أضاف: استغل المتطرفون خلال العقود الماضية انعدام وجود من يجادلهم ويحاربهم بجدّية، وبذلك سنحت لهم الفرصة في نشر هذه الآراء المتطرفة المؤدية إلى تشكيل أكثر جماعات الإرهاب تطرفًا، موضحا أننا نعيش الآن حرب أفكار وجدل وتنظير وصراع عقول وعراك نظريات. أوضح الباحث أن المتطرفون يؤذيهم فتح أبواب الفكر وتفتح شبابيك النقد الفسيح، لتفكك أفكار هذه التيارات التي عبثت بالمسلمين على مدار سنوات طويلة، وحاولت الاستيلاء على السلطة في البلدان العربية الإسلامية تحت ستار فكرة الخلافة واستعادة الخلافة التي هي لبّ المشروعات المتطرفة اليوم كلها. تابع: جماعة الإخوان والسرورية والقاعدة وداعش وكل متفرعاتهم وكل أجنحتهم، السياسية الناعمة والعسكرية الخشنة، وما بينهما من أطياف لازالت تحاول إعادة إنتاج هذه الفكرة، وعلى المفكرين والمثقفين التسلح بالنقد العلمي لهذه الفكرة.
يقول المطيعي إن الخلافة عقد بين القائم بها وأهل الحل والعقد على أن يطبق ما جاءت به الشريعة، فإن لم يتم هذا الأمر على هذا الوجه يتحمل الذنب طرفان؛ أهل الحل والعقد ومن هو أهل للإمامة ولم ينتصب لها ويقبل البيعة على شرطها. أما من يستولي على الإمامة بالغلبة والقهر فيكون خارجا عن التشريع الإسلامي وتحاسب الأمة على تخاذلها في دفاعها عن العدل، وهذا مشاهد عبر التاريخ فلم يدّع المسلمون أن الخلافة وحدها كفيلة بمنع الاستبداد بل هي عملية تشاركية من أطراف عدة مسؤولة عن إحقاق العدل وتنفيذ الأحكام الشرعية بين الناس. ومن ثم يتضح أن لقب خليفة رسول الله هو لقب وصفي لكل من يلي أمر المسلمين وفق الشريعة، لا يراد منه أنه يقوم مقام النبي وأن لصاحبها حقًّا إلهيًّا بالحكم. أما المعنى اللقبي لخليفة رسول الله فتفرد فيه أبو بكر الصديق فقط لأن الأمة رأت أن الرسول لم يستخلف إلا أبا بكر، ففهم أهل الحل والعقد أن تولية الرسول أبا بكر في الصلاة تدل على أنه يأتمنه على ما هو أعظم من شأن الدنيا وهو الدين، فيكون هو الوحيد الذي زكاه النبي فحقّ أن يقال له خليفة رسول الله، أما عمر ابن الخطاب فسمي بأمير المؤمنين وكل من جاء بعده هم خلفاء الأمة.
منذ انهيار الحكم العثماني ودولة الخلافة في العالم العربي في بدايات القرن شغل سؤال الدولة والخلافة الأوساط الفكرية، ما بين مؤيد للدولة الإسلامية ومعارض وملفق ومجدد، فبعضهم تمسك بالصورة النمطية للدولة الإسلامية بشكلها التاريخي، وبعضهم كان معارضا لأي شكل من أشكال التدخل الشرعي في هيكل الدولة، وآخرون حاولوا الجمع بين التيارين والتجديد في نموذج الخلافة. وكان من أوائل من طرح قضية الخلافة للنظر هو الشيخ علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم، وأحدث هذا الكتاب جلبة فكرية استفزت كثيرا من الأقلام للكتابة في السياسية الشرعية إما ردًّا أو تأييدا، فظهر منذ ذلك الحين نمط من النظر الشرعي السياسي لم يكن معهودا في التاريخ الفكري للمنطقة، وتطور وتوسعت دائرة المشتغلين فيه حتى شملت من هم خارج المنظومة الإسلامية ونطاقها الجغرافي. وفي سبيل فهم إشكالية هذا النوع من الكتابة السياسية الشرعية سنحاول في هذه الورقة دراسة المرحلة الجنينية لها مسلّطين الضوء على كتاب الإسلام وأصول الحكم وكتاب معاصر ردّ عليه هو كتاب حقيقة الإسلام وأصول الحكم للشيخ محمد بخيت المطيعي، للكشف عن إشكاليات التعاطي مع سؤال الدولة الإسلامية تاريخيا.
وذكر المطيعي عددا من الوظائف ليثبت أن مؤسسات الدولة الحديثة من حيث نوعها موجودة في البناء الإسلامي الأولي، ولكن مفهوم الدولة تطور فيجب ألا يقاس شكل الدولة النبوية أو الراشدية بالدولة الحديثة، ولا ينبغي عدّ النموذج الإسلامي يتعارض معها إلا من حيث المرجعية والغاية، لذلك رأى أن عنف الدولة الإسلامية المتمثل بالجهاد هو عنف مسوّغ ومشروع كون مرجعيته الله وغايته الله، أما عنف الدولة الحديثة فهو عنف من الإنسان وغايته الغلبة. واتبع المطيعي منهج الرد بالنص، وذلك بسرده النصوص القرآنية والنبوية التي تعارض دعاوى عبد الرازق، كما عارض فهم عبد الرازق بفهم لنصوص أجمعت عليها الأمة، وحاول باستحضار المهن والحرف والوظائف التي كانت في عصر النبوة أن يجادل بأن الدولة الإسلامية يمكن أن تبنى وفق نموذج الدولة الحديثة، وذلك أن المؤسسات من حيث نوعها موجودة بالبناء النبوي والراشدي للدولة لا من حيث أفرادها المعاصرة.