وتوغلت كذلك على ولاية القضاء العام، في رقابته لمشروعية القرارات الإدارية، فحرمت من حق الانتخاب، وحق الترشح، للانتخابات البرلمانية الأخيرة من كان قضاء المشروعية، قد حصن حقه في الأمرين معا بحكم نهائي وباتّ، وهو ما أوقع النظام القانوني والقضائي الكويتي في مأزق خطير، وهو امتناع جهة قضائية عن احترام أحكام القضاء، وإيقاف تنفيذها، وهو الفعل الذي يعاقب الموظف العام على ارتكابه، باعتباره مؤثما جزائيا. فهل أصبح هذا الفعل مباحاً، إذا ارتكبته جهة قضائية، بما ينطوي كذلك على مساس باستقلال القضاء وجوهره احترام أحكامه وتنفيذها، ولهذا حرص الدستور على أن تصدر أحكامه باسم الأمير، باعتباره راعي السلطات جميعا وفي صدور الحكم باسم الأمير دعم لهذا الحكم، وأمر للسلطات جميعا بتنفيذه، وهو أمر بنص الدستور. وقد رأينا، ليكون الأمر أكثر وضوحا للقارئ وللمشرعين في مجلس الأمة، أن نعرض للمبادئ الدستورية التي أرستها المحكمة الدستورية في تحديد ولايتها بالفصل في الطعون الانتخابية فيما يلي:
الفصل بين الولايتين
عطفا على ما قدمناه في صدر المقال من أن المحكمة الدستورية لها ولايتان: أولاهما تستمدها من الدستور مباشرة، وهي الرقابة على دستورية القوانين، وثانيتهما، تستمدها من قانون إنشائها رقم 73 لسنة 1974 وهي الفصل في الطعون الانتخابية.
رقم عضوية فرسان بجازان
للمحكمة الدستورية ولايتان: الأولى تستمدها من الدستور مباشرة، وهي الرقابة على دستورية القوانين، والثانية تستمدها من قانون إنشائها رقم 73 لسنة 1974 وهي الفصل في الطعون الانتخابية، لذلك حرصت منذ أن فصلت في أول طعن انتخابي، على الفصل بين الولايتين. يتبين من استعراض نصوص الدستور، أن المحكمة الدستورية أنشئت لممارسة اختصاصها الأصيل المنصوص عليه في المادة (173) للفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، وفي حالة تقريرها عدم دستورية قانون أو لائحة– طبقا لأحكام هذه المادة- يعتبر أيهما كأن لم يكن، ومن هنا تسلط قضاءها في هذا الأمر على كافة المحاكم التي عليها أن تمتنع عن تطبيق النص التشريعي غير الدستوري، وتخضع لأحكامها كل سلطات الدولة، أما الفصل في صحة انتخاب أعضاء مجلس الأمة فقد عهد به الدستور في المادة (95) إلى مجلس الأمة.
وقد حرصت المحكمة الدستورية، منذ أن فصلت في أول طعن انتخابي، على الفصل بين الولايتين، فالاختصاص الأول هو الاختصاص الأصيل للمحكمة الدستورية، والأهم في النظام القضائي، وهو أحد أعمدة الفصل بين السلطات مع تعاونها، والذي يقوم على أن كل سلطة تراقب السلطة الأخرى le pouvoir arret le pouvoir، حيث يراقب القضاء الدستوري السلطة التشريعية، فيما تمارسه من اختصاص بإقرار القوانين، كما يراقب السلطة التنفيذية فيما تصدره من لوائح، فتعدم أثر هذه القوانين أو اللوائح، إذا قضت بعدم دستوريتها، وهي بذلك تصون الدستور والنصوص والمبادئ والحقوق الدستورية من اختراقها من إحدى السلطتين التشريعية أو التنفيذية.