محمد إسماعيل عتوك
باحث في الإعجاز البياني في القرآن
أولاً- من الأخطاء اللغوية المزعومة في القرآن الكريم تمثيل جماعة المنافقين بالواحد في قوله تعالى:( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ)، حيث كان الظاهر يقتضي أن يقال:[ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِينَ اسْتَوْقَدُوا نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُمْ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ]، وبذلك يتم التطابق بين أجزاء الصورة في المُمَثَّل، والمُمَثَّل به. وإذا كان كذلك، فكيف يقال:﴿ مَثَلُهُمْ ﴾ وهو جمع؛ ﴿ كَمَثَلِ الَّذِي ﴾ وهو مفرد. مثلهم كمثل الذي استوقد نارا - YouTube. وقد أجابوا عن ذلك من وجوه:
أحدها: أن ﴿ الَّذِي ﴾ هنا مفرد في اللفظ، ومعناه على الجمع؛ ولذلك قال تعالى:﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾، فحُمِل أول الكلام على الواحد، وآخره على الجمع. والتقدير: مثلهم كمثل الذين استوقدوا نارًا، فلما أضاءت ما حولهم ذهب الله بنورهم. وزعم أصحاب هذا القول أنه يجوز في اللغة وضع « الذي » موضع « الذين »؛ كما في قوله تعالى:﴿ وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُواْ ﴾(التوبة: 69). أي: كالذين خاضوا. والثاني: أن المنافقين وذواتهم لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد؛ وإنما شُبِّهَت قصتُهم بقصة المستوقد.
تفسير: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا)
والتمثيل منزع جليل بديع من منازع البلغاء لا يبلغ إلى محاسنه غير خاصتهم. وهو هنا من قبيل التشبيه لا من الاستعارة لأن فيه ذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه وهي لفظ " مثل ". مثلهم كمثل الذي استوقد نارا. فجملة مثلهم كمثل الذي استوقد نارا واقعة من الجمل الماضية موقع البيان والتقرير والفذلكة ، فكان بينها وبين ما قبلها كمال الاتصال ، فلذلك فصلت ولم تعطف ، والحالة التي وقع تمثيلها سيجيء بيانها في آخر تفسير الآية. وأصل المثل بفتحتين هو النظير والمشابه ، ويقال أيضا: مثل بكسر الميم وسكون الثاء [ ص: 303] ويقال مثيل كما يقال شبه وشبه وشبيه ، وبدل وبدل ، وبديل ، ولا رابع لهذه الكلمات في مجيء فعل وفعل وفعيل بمعنى واحد. وقد اختص لفظ المثل " بفتحتين " بإطلاقه على الحال الغريبة الشأن ؛ لأنها بحيث تمثل للناس وتوضح وتشبه سواء شبهت كما هنا ، أم لم تشبه كما في قوله تعالى مثل الجنة وبإطلاقه على قول يصدر في حال غريبة فيحفظ ويشيع بين الناس لبلاغة وإبداع فيه ، فلا يزال الناس يذكرون الحال التي قيل فيها ذلك القول تبعا لذكره ، وكم من حالة عجيبة حدثت ونسيت لأنها لم يصدر فيها من قول بليغ ما يجعلها مذكورة تبعا لذكره فيسمى مثلا ، وأمثال العرب باب من أبواب بلاغتهم وقد خصت بالتأليف ، ويعرفونه بأنه قول شبه مضربه بمورده ، وسأذكره قريبا.
إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة البقرة - قوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد نارا- الجزء رقم1
اهـ [4]. [1] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (1 /60). [2] تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /186). [3] انظر تفسير ابن القيم (1 /117) - نسخة المكتبة الشاملة. [4] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /44).
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا - Youtube
وَقِيلَ: لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِأَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ
نَزَلُوا مَنْزِلَةَ مَنْ لَا سَمْعَ لَهُ وَلَا بَصَرَ وَلَا عَقْلَ ،
وَالْقَوْلَانِ مُتَلَازِمَانِ، وَقَالَ فِي صِفَتِهِمْ: (فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ);
لِأَنَّهُمْ قَدْ رَأَوْا فِي ضَوْءِ النَّارِ وَأَبْصَرُوا الْهُدَى ، فَلَمَّا
طُفِئَتْ عَنْهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا إِلَى مَا رَأَوْا وَأَبْصَرُوا ". انتهى من "اجتماع الجيوش الإسلامية" (2/ 63). ثالثا:
الحكمة من هذا المثال: أن يتعظ الناس فلا يفعلوا فعل هؤلاء المنافقين ، وإنما
عليهم أن يثبتوا على الإيمان الذي منّ الله به عليهم ودلهم عليه بالفطر السليمة
وبرهن لهم عليه بالبراهين الواضحة وأقام الحجة عليه بالدلائل البينة. فمن منّ الله عليه بالإيمان فعليه بالثبات واليقين ، وألا يتذبذب ويتردد. ومن نظر في آيات الله البينة الدالة على وحدانيته فعليه أن يؤمن وألا يتراجع عن
الأخذ بما دلت عليه الآيات. تفسير: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا). بل على كل من أنعم الله عليه بنعمة في دينه أو دنياه أن يقوم بما يجب عليه تجاهها
من الشكر وعدم النكران لئلا تزول عنه ، فإن النعمة تثبت بالشكر وتزول بالكفر. فأشار هذا المثل إلى حال المنافقين وما هم عليه من الحيرة والتذبذب ، وما هم فيه من
الضلالة وظلمة الكفر ؛ تحذيرا لهم من مغبة حالهم وعاقبة أمرهم ، وتنبيها لغيرهم ألا
يفعلوا فعلهم ويصنعوا صنيعهم.
وكان على هؤلاء المنافقين - الذين ضرب الله هذا المثل في شأنهم - أن يتوبوا إلى
ربهم فيعودوا إلى نور الهداية الذي سلب منهم بكفرهم ، فإن من تاب تاب الله عليه ،
وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ
الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي
الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا
قَلِيلًا) الأحزاب/ 60. فعليهم أن ينتهوا عما هم عليه ويتوبوا إلى الله ويرجعوا إليه ؛ فإنهم إن عادوا إلى
الله بالتوبة عاد عليهم بالنور والهداية. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة البقرة - قوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد نارا- الجزء رقم1. وإن استمروا على ما هم عليه من الكفر
والشك والنفاق فلن يخرجوا من تلك الظلمات أبدا ، لا في الدنيا ولا في الآخرة. وانظر للفائدة إجابة السؤال رقم: ( 105322). والله أعلم.