الحمد لله. يقول الله عز وجل في كتابه العزيز:
( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/ 45. وللعلماء في قوله تعالى (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) أقوال:
قال ابن الجوزي رحمه الله:
" قوله تعالى: (ولذكر الله أكبر) فيه أربعة أقوال:
أحدها: ولذكر الله إياكم ، أكبر من ذكركم إياه ، وبه قال ابن عباس، وعكرمة، وسعيد
بن جبير، ومجاهد في آخرين. والثاني: ولذكر الله تعالى أفضل من كل شيء سواه ، وهذا مذهب أبي الدرداء، وسلمان ،
وقتادة. والثالث: ولذكر الله تعالى في الصلاة ، أكبر مما نهاك عنه من الفحشاء والمنكر،
قاله عبد الله بن عون. والرابع: ولذكر الله تعالى العبد- ما كان في صلاته- أكبر من ذكر العبد لله تعالى،
قاله ابن قتيبة " انتهى من "زاد المسير" (3/ 409). ولذكر الله أكبر. واختار غير واحد من المحققين
والمفسرين القول الثالث ، وهو أن حصول ذكر الله بالصلاة ، أكبر من كونها ناهية عن
الفحشاء والمنكر. قال ابن كثير رحمه الله:
" يَعْنِي: أَنَّ الصَّلَاةَ تَشْتَمِلُ عَلَى شَيْئَيْنِ: عَلَى تَرْكِ
الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ ، أَيْ: إِنَّ مُوَاظَبَتَهَا تَحْمِلُ عَلَى تَرْكِ
ذَلِكَ.
ولذكر الله اكبر لو كنتم تعلمون
قال علي: وحدثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، قال: قال رسول الله ﷺ: "مَنْ صَلى صَلاةً لَمْ تَنْهَهُ عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِها مِنَ اللهِ إلا بُعْدًا". ⁕ حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، قال: الصلاة إذا لم تنه عن الفحشاء والمنكر، قال: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعدا. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة والحسن، قالا من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فإنه لا يزداد من الله بذلك إلا بعدا. ولذكر الله أكبر - موقع مقالات إسلام ويب. والصواب من القول في ذلك أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال ابن عباس وابن مسعود، فإن قال قائل: وكيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر إن لم يكن معنيا بها ما يتلى فيها؟ قيل: تنهى من كان فيها، فتحول بينه وبين إتيان الفواحش، لأن شغله بها يقطعه عن الشغل بالمنكر، ولذلك قال ابن مسعود: من لم يطع صلاته لم يزدد من الله إلا بعدا. وذلك أن طاعته لها إقامته إياها بحدودها، وفي طاعته لها مزدجر عن الفحشاء والمنكر. ⁕ حدثنا أبو حميد الحمصي، قال: ثنا يحيى بن سعيد العطار، قال: ثنا أرطاة، عن ابن عون، في قول الله ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ قال: إذا كنت في صلاة، فأنت في معروف، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر، و ﴿الفَحْشَاءِ﴾: هو الزنا، و ﴿المُنْكَر﴾: معاصي الله، ومن أتى فاحشة أو عَصَى الله في صلاته بما يفسد صلاته، فلا شكّ أنه لا صلاة له.
ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون
تصوَّر هذا كله، ثم اعلَم بأنه لا يساوي لحظةً من رضا الله تعالى عنه، ولا مرةً من ذكره عز وجل له بين عباده ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾. فما أعظمها من نعمة! وما أجزلَه من عطاء؛ أن تنال ذكر الله عز وجل لك ولو لمرة! اللهم ارزُقنا ذكرك يا خير مذكور، وخير ذاكر يا رب العالمين. مرحباً بالضيف
⁕ قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة قالا ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. ⁕ قال: ثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن عطية، عن ابن عباس قال: هو كقوله: ﴿اذْكُرُونِي أذْكرْكُمْ﴾ فذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. ⁕ قال: ثنا حسن بن عليّ، عن زائدة، عن عاصم، عن شقيق، عن عبد الله ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ﴾ قال: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لربه. ⁕ قال: ثنا أبو يزيد الرازي، عن يعقوب، عن جعفر، عن شعبة، قال: ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولذكركم الله أفضل من كلّ شيء. ولذكر الله أكبر. ⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عمر بن أبي زائدة، عن العيزار بن حريث، عن رجل، عن سلمان أنه سئل: أيّ العمل أفضل؟ قال: أما تقرأ القرآن ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ﴾: لا شيء أفضل من ذكر الله. ⁕ حدثنا ابن حميد أحمد بن المغيرة الحمصي، قال: ثنا عليّ بن عياش، قال: ثنا الليث، قال: ثني معاوية، عن ربيعة بن يزيد، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن أمّ الدرداء، أنها قالت: ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ﴾ فإن صليت فهو من ذكر الله، وإن صمت فهو من ذكر الله، وكلّ خير تعمله فهو من ذكر الله، وكل شرّ تجتنبه فهو من ذكر الله، وأفضل ذلك تسبيحُ الله.
ومن قواعد الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فالواجب على المسلمين في هذا العصر بنص القرآن صنع المدافع بأنواعها والبنادق والدبابات والطيارات والمناطيد وإنشاء السفن الحربية بأنواعها ، ومنها الغواصات التي تغوص في البحر ، ويجب عليهم تعلم الفنون والصناعات التي يتوقف عليها [ ص: 54] صنع هذه الأشياء وغيرها من قوى الحرب بدليل: ما لا يتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب " وقد ورد أن الصحابة استعملوا المنجنيق مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة خيبر وغيرها. وكل الصناعات التي عليها مدار المعيشة من فروض الكفاية كصناعات آلات القتال.
وأعدوا لهم ما استطعتم من
مسؤوليتكم نحو آية
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا أشد الحرص على بناء الشخصية المسلمة؛ وذلك لأن الفرد المؤمن هو اللبِنة الأولى في تكوين المجتمع المسلم، الأمر الذي في نهايته يكوِّن الدولة الإسلامية، وأعطى الرسول الكريم ذلك الاهتمامَ الدرجةَ الأولى؛ بناء الفرد لبناء المجتمع، ولبناء الدولة. ولا تنفصل القوة الإيمانية المطلوبة بقلب المؤمن عن القوة العقلية والذهنية، ولا عن القوة البدنية، فالقوةُ الروحية الإيمانية وحدها لا تكفي لنصرة أو نجدة أمة. لكن يتطلب معها الأخذ بقوله: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: 60]، فالإعداد في الآية صرَّح الله عز وجل بأنه من ﴿ قُوَّةٍ ﴾، وجاءت نكرة للعموم؛ أي: من كلِّ قوة لازمة لتحقيق الهدف والغاية، سواء كان قوة ذاتية "إيمانية، ذهنية، بدنية"، أم قوة خارجية "علمية، اقتصادية، سياسية، عسكرية... واعدوا لهم ما استطعتم من قوة تفسير. إلخ"، فباجتماع أسباب القوة يكون قد اكتمل الإعداد. ولأن القاعدة الربانية المعروفة من قوله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، كان المقدار المطلوب من الإعداد غير محدَّد، ولكنه متروك حسب كل حال، فقال الله عز وجل:﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾؛ أي: قدر استطاعتكم، من دون تضييق عليكم أيها المؤمنون.
وأقول: قد جزم العلماء قبله بعموم نص الآية ، قال الرازي بعد أن أورد ثلاثة أقوال في تفسيرها منها الرمي الوارد في الحديث: قال أصحاب المعاني: الأولى أن يقال: إن هذا عام في كل ما يتقوى به على حرب العدو ، وكل ما هو آلة للغزو والجهاد فهو من جملة القوة ، ثم ذكر حديث الرمي وأنه كحديث الحج عرفة وأنا لا أدري سببا لالتجاء الآلوسي في المسألة إلى الرأي والاجتهاد ، واكتفائه بدخول هذه الآلات في عموم نص الآية بعدم الاستبعاد ، إلا أن يكون بعض المعممين في عصره حرموا استعمال هذه الآلات النارية بشبهة أنها من قبيل التعذيب بالنار الذي منعه الإسلام كما يشير إليه قوله: ولا أرى ما فيه من النار إلخ.