ابن عاشور: وجملة { إنه ليس له سلطان} الآية تعليل للأمر بالاستعاذة من الشيطان عند إرادة قراءة القرآن وبيان لصفة الاستعاذة. فأما كونها تعليلاً فلزيادة الحثّ على الامتثال للأمر بأن الاستعاذة تمنع تسلّط الشيطان على المستعيذ لأن الله منعه من التسلّط على الذين آمنوا المتوكّلين ، والاستعاذة منه شعبة من شعب التوكّل على الله لأن اللّجأ إليه توكّل عليه. وفي الإعلام بالعلّة تنشيط للمأمور بالفعل على الامتثال إذ يصير عالماً بالحكمة وأما كونها بياناً فلما تضمّنته من ذكر التوكّل على الله ليبيّن أن الاستعاذة إعراب عن التوَكّل على الله تعالى لدفع سلطان الشيْطان ليعقد المستعيذُ نيّتَه على ذلك. وليست الاستعاذة مجرّد قول بدون استحضار نيّة العَوذ بالله. فجملة { وعلى ربهم يتوكلون} صفة ثانية للموصول. تفسير آية إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا. وقدّم المجرور على الفعل للقصر ، أي لا يتوكّلون إلا على ربّهم. وجعل فعلها مضارعاً لإفاة تجدّد التوكّل واستمراره. فنَفي سلطان الشيطان مشروط بالأمرين: الإيمان ، والتوكّل. ومن هذا تفسير لقوله تعالى في الآية الأخرى { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [ سورة الحجر: 42]. والسّلطان: مصدر بوزن الغُفران ، وهو التسلّط والتصرّف المكين.
إعراب قوله تعالى: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا الآية 65 سورة الإسراء
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وقوله: ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) أي: الذين قدرت لهم الهداية ، فلا سبيل لك عليهم ، ولا وصول لك إليهم ، ( إلا من اتبعك من الغاوين) استثناء منقطع. وقد أورد ابن جرير هاهنا من حديث عبد الله بن المبارك ، عن عبد الله بن موهب حدثنا يزيد بن قسيط قال: كانت الأنبياء يكون لهم مساجد خارجة من قراهم ، فإذا أراد النبي أن يستنبئ ربه عن شيء ، خرج إلى مسجده فصلى ما كتب الله له ، ثم سأل ما بدا له ، فبينا نبي في مسجده إذ جاء عدو الله - يعني -: إبليس حتى جلس بينه وبين القبلة ، فقال النبي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. [ فقال عدو الله: أرأيت الذي تعوذ منه ؟ فهو هو. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا. فقال النبي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم] قال: فردد ذلك ثلاث مرات ، فقال عدو الله: أخبرني بأي شيء تنجو مني ؟ فقال النبي: بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم مرتين ؟ فأخذ كل [ واحد] منهما على صاحبه ، فقال النبي: إن الله تعالى يقول: ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) قال عدو الله: قد سمعت هذا قبل أن تولد. قال النبي: ويقول الله: ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم) [ الأعراف: 200] وإني والله ما أحسست بك قط إلا استعذت بالله منك.
تفسير آية إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا
إلا من اتبعك من الغاوين أي الضالين المشركين. أي سلطانه على هؤلاء; دليله إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون. الثانية: وهذه الآية والتي قبلها دليل على جواز استثناء القليل من الكثير والكثير من القليل; مثل أن يقول: عشرة إلا درهما. أو يقول: عشرة إلا تسعة. وقال أحمد بن حنبل: لا يجوز أن يستثنى إلا قدر النصف فما دونه. إعراب قوله تعالى: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا الآية 65 سورة الإسراء. وأما استثناء الأكثر من الجملة فلا يصح. ودليلنا هذه الآية ، فإن فيها استثناء الغاوين من العباد والعباد من الغاوين ، وذلك يدل على أن استثناء الأقل من الجملة واستثناء الأكثر من الجملة جائز.
حلقة من برنامج " الحياة الدنيا " يتناول فيها فضيلة الدكتور " علي بن عبدالعزيز الشبل " تسلط الشيطان على الإنسان البعيد عن عبادة ربه وذكره، وبيان المراد بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الحجر: 42].