إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) وقوله: ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) قال الحسن وقتادة: أي العمل به. وقيل: ثقيل وقت نزوله; من عظمته. كما قال زيد بن ثابت: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي ، فكادت ترض فخذي. وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمرو بن الوليد عن عبد الله بن عمرو قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ، هل تحس بالوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسمع صلاصيل ، ثم أسكت عند ذلك ، فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تفيض " ، تفرد به أحمد. وفي أول صحيح البخاري ، عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يأتيك الوحي ؟ فقال: " أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول ". إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا هذا لفظه. وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود ، أخبرنا عبد الرحمن ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت: إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته ، فتضرب بجرانها.
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا
أو بالأحرى: أعط الشعوب فرصة للاستماع لهذا القرآن! قال جل وعلا: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)(التوبة:6). نعم، (ليسمع) فقط! ألا إن هذا لهو عين التحدي! ذلك أن كلماته كفيلة بإخراج الحياة متدفقة بقوة من ظلمات الموات! ذلك أنه أقوى حقيقة راسخة في هذا الكون كله! ذلك أنه القرآن كلام الله رب العالمين! وتلك حقيقة لها قصة أخرى! فلا غَلَبَةَ إذن لمن واجهه القرآنُ المبين، لا غلبةَ له البتة! وإنما هو من المهزومين بكلمة الحق القاضية عليه بالخسران إلى يوم القيامة! (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ! )(آل عمران:12). وقُلْ لِفَتَى الإيمان حَامِلِ رايةِ القرآن: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ! )(آل عمران: 196-197). إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا. فكل أساطيل الظلمة، وما يمارسونه من غطرسة وتقلب في البلاد من أرض إلى أرض تشريدا وتقتيلا.. كله، كله يرتد مذموما مخذولا؛ لو – ويا حسرةً على "لو" هذه!
الشيخ د. صالح الفوزان : تفسير قوله تعالى : إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا - Youtube
وثانيها: قالوا: المراد بالقول الثقيل ، القرآن وما فيه من الأوامر والنواهي التي هي تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين عامة ، وعلى رسول الله خاصة ؛ لأنه يتحملها بنفسه ويبلغها إلى أمته ، وحاصله أن ثقله راجع إلى ثقل العمل به ، فإنه لا معنى للتكليف إلا إلزام ما في فعله كلفة ومشقة. وثالثها: روي عن الحسن: أنه ثقيل في الميزان يوم القيامة ، وهو إشارة إلى كثرة منافعه ، وكثرة الثواب في العمل به. ورابعها: المراد أنه عليه الصلاة والسلام كان يثقل عند نزول الوحي إليه ، روي أن الوحي نزل عليه وهو على ناقته فثقل عليها ، حتى وضعت جراءها ، فلم تستطع أن تتحرك. وعن ابن عباس: كان إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربد وجهه ، وعن عائشة رضي الله عنها: " رأيته ينزل عليه الوحي ، في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه ، وإن جبينه ليرفض عرقا ". وخامسها: قال الفراء: قولا ثقيلا ، أي ليس بالخفيف ولا بالسفساف ؛ لأنه كلام ربنا تبارك وتعالى. الشيخ د. صالح الفوزان : تفسير قوله تعالى : إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا - YouTube. وسادسها: قال الزجاج: معناه أنه قول متين في صحته وبيانه ونفعه ، كما تقول: هذا كلام رزين ، وهذا قول له وزن إذا كنت تستجيده ، وتعلم أنه وقع موقع الحكمة والبيان. وسابعها: قال أبو علي الفارسي: إنه ثقيل على المنافقين ، من حيث إنه يهتك أسرارهم ، ومن حيث إنه يبطل أديانهم وأقوالهم.
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
وذهب أبو إسحاق الشَّاطبي (تـ 790هـ) إلى القول بأنَّ كثيرًا من النَّاس تجاوزوا في الدَّعوى على القرآن، فأضافوا إليه كلَّ علمٍ يُذكر للمتقدِّمين [6]. وممَّا تجدر الإشارة إليه تحت هذه الخصيصة: أنَّ السلَف كانوا يتورَّعون عن القول في كلام الله بغير علمٍ؛ فهذا الصِّدِّيق أبو بكر - وغيره من الصَّحابة الكرام - يقول: "أي سَماءٍ تُظلُّني وأيُّ أرض تُقلُّني إذا قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم؟! " [7] ، وذاك الإمام مالك سُئل عن مسألة فقال: "لا أدري"، فقال له السائل: إنَّها مسألة خفيفة سَهلة، وإنَّما أردتُ أن أُعلِم بها الأمير - وكان السائل ذا قدر - فغضب مالِك وقال: "مسألة خفِيفة سهلة! ليس في العِلم شيء خفيف، أمَا سمعتَ قولَ الله تعالى: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: 5]، فالعِلم كلُّه ثَقيل، وبخاصَّة ما يُسأل عنه يوم القيامة" [8]. قال بعضهم: ما سمعتُ قطُّ أكثر قولًا من مالك: "لا حول ولا قوة إلَّا بالله"، ولو نشاء أن نَنصرف بألواحنا مَملوءة بقوله: "لا أدري، ﴿ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴾ [الجاثية: 32]" لفعَلنا [9]. وكأنِّي بهم يَضعون نُصبَ أعينهم قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قال في القرآن بغير علمٍ فَلْيتبوَّأ مقعدَه من النَّار)) [10].
إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا . [ المزّمِّل: 5]
- لو يرفع المسلمون راية القرآن! فيكون مصير النفقات والإعدادات الاقتصادية الضخمة التي يحشدونها؛ لإبادة الشعوب المسلمة المستضعفة، والتي تعد بملايين المليارات؛ إلى خسار محتوم! واقرأ هذه الآية الصريحة القاطعة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ! )(الأنفال:36). المراجع قال صلى الله عليه وسلم: (أهل القرآن هم أهل الله، وخاصته). رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير:2165. رواه البخاري.
{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)} [ المزمل]
{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}: يحدث سبحانة رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه عن عظمة هذا القرآن وثقل معانيه وجلال ألفاظه ومبانيه. ثم يخبره عن أفضل وقت لمرور القرآن على القلب وهو وقت الليل, وفيه إشارة إلى قيام الليل وفائدته وتفاعل القلب فيه مع كلام الله تعالى. قال تعالى: { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)} [ المزمل] قال السعدي في تفسيره: { { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}} أي: نوحي إليك هذا القرآن الثقيل، أي: العظيمة معانيه، الجليلة أوصافه، وما كان بهذا الوصف، حقيق أن يتهيأ له، ويرتل، ويتفكر فيما يشتمل عليه. ثم ذكر الحكمة في أمره بقيام الليل، فقال: { { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ}} أي: الصلاة فيه بعد النوم { { هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}} أي: أقرب إلى تحصيل مقصود القرآن، يتواطأ على القرآن القلب واللسان، وتقل الشواغل، ويفهم ما يقول، ويستقيم له أمره، وهذا بخلاف النهار، فإنه لا يحصل به هذا المقصود.