حكاه ابن جرير عن أبي العالية وطاوس وغيرهما. وقال عمر وعبيدة: ( والمحصنات من النساء) ما عدا الأربع حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم. وقوله: ( كتاب الله عليكم) أي: هذا التحريم كتاب كتبه الله عليكم ، فالزموا كتابه ، ولا تخرجوا عن حدوده ، والزموا شرعه وما فرضه. وقد قال عبيدة وعطاء والسدي في قوله: ( كتاب الله عليكم) يعني الأربع. وقال إبراهيم: ( كتاب الله عليكم) يعني: ما حرم عليكم. وقوله: ( وأحل لكم ما وراء ذلكم) أي: ما عدا من ذكرنا من المحارم هن لكم حلال ، قاله عطاء وغيره. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة النساء - الآية 24. وقال عبيدة والسدي: ( وأحل لكم ما وراء ذلكم) ما دون الأربع ، وهذا بعيد ، والصحيح قول عطاء كما تقدم. وقال قتادة ( وأحل لكم ما وراء ذلكم) يعني: ما ملكت أيمانكم. وهذه الآية هي التي احتج بها من احتج على تحليل الجمع بين الأختين ، وقول من قال: أحلتهما آية وحرمتهما آية. وقوله: ( أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) أي: تحصلوا بأموالكم من الزوجات إلى أربع أو السراري ما شئتم بالطريق الشرعي; ولهذا قال: ( محصنين غير مسافحين) وقوله: ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) أي: كما تستمتعون بهن فآتوهن مهورهن في مقابلة ذلك ، كقوله: ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) [ النساء: 21] وكقوله ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) [ النساء: 4] وكقوله ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) [ البقرة: 229] وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ، ولا شك أنه كان مشروعا في ابتداء الإسلام ، ثم نسخ بعد ذلك.
تفسير سورة النساء - تفسير قوله تعالى وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
{ وَ} من المحرمات في النكاح { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} أي: ذوات الأزواج. فإنه يحرم نكاحهن ما دمن في ذمة الزوج حتى تطلق وتنقضي عدتها. { إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي: بالسبي، فإذا سبيت الكافرة ذات الزوج حلت للمسلمين بعد أن تستبرأ. وأما إذا بيعت الأمة المزوجة أو وهبت فإنه لا ينفسخ نكاحها لأن المالك الثاني نزل منزلة الأول ولقصة بريرة حين خيرها النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: { كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي: الزموه واهتدوا به فإن فيه الشفاء والنور وفيه تفصيل الحلال من الحرام. تفسير سورة النساء - تفسير قوله تعالى وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. ودخل في قوله: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} كلُّ ما لم يذكر في هذه الآية، فإنه حلال طيب. فالحرام محصور والحلال ليس له حد ولا حصر لطفًا من الله ورحمة وتيسيرًا للعباد. وقوله: { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} أي: تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم من اللاتي أباحهن الله لكم حالة كونكم { مُحْصِنِينَ} أي: مستعفين عن الزنا، ومعفين نساءكم. { غَيْرَ مُسَافِحِينَ} والسفح: سفح الماء في الحلال والحرام، فإن الفاعل لذلك لا يحصن زوجته لكونه وضع شهوته في الحرام فتضعف داعيته للحلال فلا يبقى محصنا لزوجته.
فصل: من فوائد الشنقيطي في الآية:|نداء الإيمان
وأوضح دليل في ذلك قصة بريرة المشهورة مع زوجها مغيث. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية بعد ذكره أقوال الجماعة التي ذكرنا في أن البيع طلاق، ما نصه: وقد خالفهم الجمهور قديمًا وحديثًا، فرأوا أن بيع الأمة ليس طلاقًا لها. لأن المشتري نائب عن البائع، والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة، وباعها مسلوبة عنه، واعتمدوا في ذلك على حديث بريرة المخرج في الصحيحين وغيرهما، فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها وأعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث، بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفسخ والبقاء، فاختارت الفسخ. فصل: من فوائد الشنقيطي في الآية:|نداء الإيمان. وقصتها مشهورة، فلو كان بيع الأمة طلاقها كما قال هؤلاء، ما خيرها النَّبي صلى الله عليه وسلم، فلما خيرها دل على بقاء النكاح، وأن المراد من الآية المسببات فقط والله أعلم. اهـ. منه بلفظه. فإن قيل: إن كان المشتري امرأة لم ينفسخ النكاح.
القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة النساء - الآية 24
وفي الحَديثِ: أنَّ نِكاحَ المشركين يَنفسِخُ إذا سُبِيَت زَوجاتُهم؛ لدُخولِها في ملْكِ سابِيها. وفيه: دَلالةٌ على تَوقُّفِ الإنسانِ وبَحثِه، وسُؤالِه عمَّا لا يَتحقَّقُ وَجْهُه ولا حُكمُه، وهو دأْبُ مَن يَخافُ اللهَ عزَّ وجلَّ.
وقوله: { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} أي: تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم من اللاتي أباحهن الله لكم حالة كونكم { مُحْصِنِينَ} أي: مستعفين عن الزنا، ومعفين نساءكم. { غَيْرَ مُسَافِحِينَ} والسفح: سفح الماء في الحلال والحرام، فإن الفاعل لذلك لا يحصن زوجته لكونه وضع شهوته في الحرام فتضعف داعيته للحلال فلا يبقى محصنا لزوجته. وفيها دلالة على أنه لا يزوج غير العفيف لقوله تعالى: { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}. { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} أي: ممن تزوجتموها { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي: الأجور في مقابلة الاستمتاع. ولهذا إذا دخل الزوج بزوجته تقرر عليه صداقها { فَرِيضَةً} أي: إتيانكم إياهن أجورهن فرض فرضه الله عليكم، ليس بمنزلة التبرع الذي إن شاء أمضاه وإن شاء رده. أو معنى قوله فريضة: أي: مقدرة قد قدرتموها فوجبت عليكم، فلا تنقصوا منها شيئًا. { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} أي: بزيادة من الزوج أو إسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس [هذا قول كثير من المفسرين، وقال كثير منهم: إنها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالا في أول الإسلام ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يؤمر بتوقيتها وأجرها، ثم إذا انقضى الأمد الذي بينهما فتراضيا بعد الفريضة فلا حرج عليهما، والله أعلم].