وإذا ما علمنا اختلاف اللهجات العربية العامية من قطر إلى آخر، فإننا حينئذ سنعلم صعوبة فهم العربي في القطر الآخر، وعدم قدرته على متابعة المتكلم والاستفادة من أفكاره ولو تحدث ذلك الإعلامي بالعربية الفصيحة لفهمه جمهور واسع في شتى أقطار العالم العربي وتابعه الملايين. ومن المؤسف أن يتسلل الخطاب العامي إلى المدرسة، فبينما نجد الكتب المدرسية تعتمد اللغة العربية الفصيحة يلجأ بعض المعلمين في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، إلى الاستعانة باللهجة المحلية في الشرح والمناقشة والحديث عن مضامين الدروس مع المتعلمين، وكذلك يفعل بعض الأساتذة في التعليم العالي في العلوم الإنسانية أو الآداب وأقسام اللغة العربية. إن لغة المعلم والأستاذ تؤثر تأثيراً مباشراً على لغة المتعلمين والمتلقين وتطبعها بطوابع الجودة والفصاحة، إذا كانت اللغة العربية الفصيحة هي لغة التبليغ والشرح والحوار، وإذا كان المعلم ينطق الجملة العربية بأصواتها الصحيحة، ويتجنب تسكين أواخر الكلمات داخل الجملة بينما يكون التسكين على أواخر الجمل، فالجملة في اللغة العربية تبدأ بمتحرك وتقف على ساكن. إن ذلك سيسهل على المتعلم استيعاب قواعد اللغة العربية التي يعاني كثير من المتعلمين في فهمها وتذكرها، لأن المعلم فيها سينطق أواخر الكلمات داخل الجملة بحركاتها، حيث يظهر المضموم والمنصوب والمجرور، وهكذا يوصل المعلم قواعد اللغة العربية سمعياً وصوتياً وعملياً، ثم يعرّج عليهم فيشجعهم على الحديث باللغة العربية الفصيحة أيضاً ويدربهم شيئاً فشيئاً.
- حوار العرب: اللغة العربية في خطر - YouTube
حوار العرب: اللغة العربية في خطر - Youtube
وفى المقابل فإن عددا كبيرا من طلاب المدارس الحكومية لا يجيدون الإنجليزية ولا قواعد العربية. أما طلاب المدارس والدبلومات الفنية، فإن بعضهم لا يعرف حتى كيفية كتابة اسمه باللغة العربية!! ومع المشاكل الكثيرة التى يعانى منها التعليم ليس فى مصر فقط، ولكن فى العديد من الدول العربية، خصوصا فى البلدان التى تعانى من نزاعات وصراعات طائفية ومذهبية عرقية وأهلية، فإن الاهتمام باللغة العربية يتراجع. فى العديد من شروط الوظائف نجد ضرورة إجادة اللغة الإنجليزية، وقلة من هذه الوظائف تطلب ضرورة إجادة اللغة العربية. السبب الثانى هو الهجمة الآتية من الخارج والمتمثلة فى الفضائيات والشبكات المختلفة التى تروج للإنجليزية فقط، ليس فقط كلغة ولكن أيضا كسلوكيات وقيم غريبة تماما عن مجتمعنا. لا ألوم هذه الشبكات، التى تروج لقيمها وثقافتها ولغتها، ولكن ألوم الحكومات والمجتمعات العربية التى لا تبذل الجهد الكافى لحماية اللغة العربية ودعمها خصوصا لدى الصغار. قبل أيام سمعت من يقول إنه لو استمر الأمر على هذا المنوال فإن اللغة العربية مهددة بالتهميش أو الانقراض. ظنى أن ذلك احتمال بعيد، لأسباب كثيرة أهمها أنها لغة القرآن الكريم، الذى قال بوضوح «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»، وحينما يتعهد المولى عز وجل بحفظ القرآن فهو تعهد يعنى أيضا حفظ اللغة التى نزلت به، وكل من يصلى لابد أنه يعرف بعضا من اللغة العربية، حتى لو لم يكن لسانه عربيا أصيلا.
وما دام الأمر كذلك فإن لغات العالم أجمع قاصرة عن اللغة العربية لغة القرآن وصاحب القرآن -صلى الله عليه وسلم-، قال الثعالبي: " من أحب الله أحب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن أحب النبي العربي؛ أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية التي نزل أفضل الكتب على أفضل العرب والعجم ". كيف نفهم القرآن ونفسر القرآن، ونفهم الدين وأحكام الدين إذا لم نكن نتقن اللغة العربية؟
إن اللغة العربية هي انتماؤنا ووجهتنا وشرفنا وعلامتنا بين الأمم؛ كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-: " أما بعد: فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في اللغة العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي ". أيها الناس: وإننا في هذا الزمن نخشى على لغة القرآن ولغة صاحب القرآن -صلى الله عليه وسلم-، نخشى عليها أن تندثر وتمحى معالمها، ونخشى على أنفسنا وأولادنا وبناتنا، نخشى على أجيالنا أن يتعجموا، ويصبحوا من الأعاجم، وعند ذلك -لا قدر الله- سنُضيع القرآن ونضيع لغة القرآن، سنضيع هويتنا وعلامتنا بين الأمم، ونصبح خليط وأعاجم، بل أسوأ الأعاجم. والتهاون الحاصل بين الناس نوعان: النوع الأول: هو تهاون كثير من الناس وعدم اهتمامهم في تقويم ألسنتهم ولو قوموها لاستقامت.