وعندما رأيت هؤلاء الذين خانوا الأمانة، وطغوا، وأكثروا الفساد، اغترارا بسلطانهم وأموال الشعب التي استحوذوا عليها، عندما رأيتهم يدخلون إلى المحكمة مصفّدين تذكرت ما سيقوله أمثالهم يوم تبلى السّرائر، كما أنبأنا القرآن الكريم: "ما أغنى عنّي ماليه، هلك عنّي سلطانيه". وأما المحامون الذين يلتمسون الأعذار لهؤلاء الفاسدين المفسدين، ويطلبون لهم العفو أو التخفيف فليسمعوا قول الله – عز وجل-: "ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا، فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة، أم من يكون عليهم وكيلا" (النساء 109).
تفسير سورة الحاقة الآية 28 تفسير ابن كثير - القران للجميع
{فهو في عيشة راضية} أي في عيش يرضاه لا مكروه فيه. وقال أبو عبيدة والفراء {راضية} أي مرضية؛ كقولك: ماء دافق؛ أي مدفوق. وقيل: ذات رضا؛ أي يرضى بها صاحبها. مثل لابن وتامر؛ أي صاحب اللبن والتمر. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنهم يعيشون فلا يموتون أبدا ويصحون فلا يمرضون أبدا وينعمون فلا يرون بؤسا أبدا ويشبون فلا يهرمون أبدا). {في جنة عالية} أي عظيمة في النفوس. {قطوفها دانية} أي قريبة التناول، يتناولها القائم والقاعد والمضطجع على ما يأتي بيانه في سورة [الإنسان]. والقطوف جمع قطف بكسر القاف وهو ما يقطف من الثمار. والقطف بالفتح المصدر. تفسير سورة الحاقة الآية 28 تفسير ابن كثير - القران للجميع. والقطاف بالفتح والكسر وقت القطف. {كلوا واشربوا} أي يقال لهم ذلك. {هنيئا} لا تكدير فيه ولا تنغيص. {بما أسلفتم} قدمتم من الأعمال الصالحة. {في الأيام الخالية} أي في الدنيا. وقال {كلوا} بعد قوله {فهو في عيشة راضية} لقوله {فأما من أوتي} و{من} يتضمن معنى الجمع. وذكر الضحاك أن هذه الآية نزلت في أبي سلمة عبدالله بن عبد الأسد المخزومي؛ وقاله مقاتل. والآية التي تليها في أخيه الأسود بن عبد الأسد؛ في قول ابن عباس والضحاك أيضا؛ قال الثعلبي. ويكون هذا الرجل وأخوه سبب نزول هذه الآيات.
القران الكريم: السكت
{ كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية} أي قدمتم في أيام الدنيا. وإذا كان الرجل رأسا في الشر، يدعو إليه ويأمر به فيكثر تبعه عليه، نودي باسمه واسم أبيه فيتقدم إلى حسابه، فيخرج له كتاب أسود بخط أسود في باطنه الحسنات وفي ظاهره السيئات، فيبدأ بالحسنات فيقرأها ويظن أنه سينجو، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه (هذه حسناتك وقد ردت عليك) فيسود وجهه ويعلوه الحزن ويقنط من الخير، ثم يقلب كتابه فيقرأ سيئاته فلا يزداد إلا حزنا، ولا يزداد وجهه إلا سوادا، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه (هذه سيئاتك وقد ضوعفت عليك) أي يضاعف عليه العذاب. ليس المعنى أنه يزاد عليه ما لم يعمل - قال - فيعظم للنار وتزرق عيناه ويسود وجهه، ويكسى سرابيل القطران ويقال له: انطلق إلى أصحابك وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا؛ ينطلق وهو يقول { يا ليتني لم أوت كتابيه. يا ليتها كانت القاضية} يتمنى الموت. قوله تعالى { هلك عني سلطانيه} تفسير ابن عباس: هلكت عنه حجتي. وهو قول مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك. وقال ابن زيد: يعني سلطانيه في الدنيا الذي هو الملك. وكان هذا الرجل مطاعا في أصحابه؛ قال الله تعالى { خذوه فغلوه} قيل: يبتدره مائة ألف ملك ثم تجمع يده إلى عنقه وهو قوله عز وجل { فغلوه} أي شدوه بالأغلال { ثم الجحيم صلوه} أي اجعلوه يصلى الجحيم { ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا} الله أعلم بأي ذراع، قاله الحسن.
حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا مهران ، عن سفيان ، عن نسير بن ذعلوق أبي طعمة ، عن نوف البكالي ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا) قال: كل ذراع سبعون باعا ، كل باع أبعد مما بينك وبين مكة ، وهو يومئذ في مسجد الكوفة. حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) قال: بذراع الملك ، فاسلكوه: قال: تسلك في دبره حتى تخرج من منخريه ، حتى لا يقوم على رجليه. حدثنا ابن المثنى ، قال: ثنا يعمر بن بشير المنقري ، قال: ثنا ابن المبارك ، قال: أخبرنا سعيد بن يزيد ، عن أبي السمح ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن رصاصة مثل هذه ، وأشار إلى جمجمة ، أرسلت من السماء إلى الأرض ، وهي مسيرة خمس مائة سنة ، لبلغت الأرض قبل الليل ، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا - الليل والنهار - قبل أن تبلغ قعرها أو أصلها ". حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا مهران ، عن ابن المبارك ، عن مجاهد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، ( فاسلكوه) قال: السلك: أن تدخل السلسلة في فيه ، وتخرج من دبره. وقيل: ( ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) وإنما تسلك السلسلة في فيه ، كما قالت العرب: أدخلت رأسي في القلنسوة ، وإنما تدخل القلنسوة في الرأس ، [ ص: 590] وكما قال الأعشى: إذا ما السراب ارتدى بالأكم
وإنما يرتدي الأكم بالسراب ، وما أشبه ذلك ، وإنما قيل ذلك كذلك لمعرفة السامعين معناه ، وأنه لا يشكل على سامعه ما أراد قائله.