التفقد في سير الصالحين: من القرآن الكريم: قال الله تعال: {وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين}، [النمل: 20]، قال القرطبي في تفسيره: في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته والمحافظة عليهم، فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على نبي الله سليمان عليه السلام حاله فكيف بعظام الملك، انتهى. مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في تفقده لأصحابه: كان هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع صحابته رضي الله عنهم السؤال عمن غاب منهم، وهو كثير جدا فمن ذلك ما جاء في افتقاده صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس وسؤاله عنه، وتفقده صلى الله عليه وسلم للمرأة التي كانت تقِّم المسجد أي تنظفه. وتفقد الطير فقال مالي لا ارى الهدهد. ومن تفقده فإنه صلى الله عليه وسلم حين خروجه لغزوة تبوك في جيش بلغ عدده ثلاثين ألفا يتفقد أصحابه فإذا به في الطريق يقول "ماذا فعل كعب بن مالك " ؟
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا عمير ما فعل النغير)، تفقد في مداعبة منه صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك ما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم حين عودته بجيشه من أحد الغزوات حيث تأخر إلى مؤخرة الجيش فيجد صاحبه جابر بن عبدالله فيسأله عن حاله وأحوال أخواته…إلخ. وهكذا نجد مما ذكر أعلاه من نماذج تبين مدى عناية النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وتفقده لهم سواء في الحضر أو السفر ، في السلم أو في الحرب للرجال والنساء للصغار والكبار، ففي قصة ثابت بن قيس عن أنس بن مالك رضي الله عنهم:(أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل: يا رسول الله أنا أعلم لك علمه ، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه فقال ما شأنك ؟ فقال ثابت: شر، كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار ، فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا ، فقال صلى الله عليه وسلم: ( إذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة) أخرجه البخاري.
اعراب وتفقد الطير فقال مالي لا ارى الهدهد - هاي عرب أسئلة و اجوبة | حلول لجميع الاستفسارات
فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن سليمان أنه تفقد الطير ، إما للنوبة التي كانت عليها وأخلت بها ، وإما لحاجة كانت إليها عن بعد الماء. وقوله: ( فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين) يعني بقوله ( ما لي لا أرى الهدهد) أخطأه بصري فلا أراه وقد حضر أم هو غائب فيما غاب من سائر أجناس الخلق فلم يحضر ؟. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه: ( ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين) أخطأه بصري في الطير ، أم غاب فلم يحضر ؟. وقوله: ( لأعذبنه عذابا شديدا) يقول: فلما أخبر سليمان عن الهدهد أنه لم يحضر ، وأنه غائب غير شاهد ، أقسم ( لأعذبنه عذابا شديدا) وكان تعذيبه الطير فيما ذكر عنه إذا عذبها أن ينتف ريشها. وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. [ ص: 443]
حدثنا أبو كريب قال: ثنا الحماني ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله: ( لأعذبنه عذابا شديدا) قال: نتف ريشه. حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا ابن عطية ، عن شريك ، عن عطاء ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في: ( لأعذبنه عذابا شديدا) عذابه: نتفه وتشميسه.
مع الخليفة الراشد عمر الفاروق رضي الله عنه: ذكر القرطبي في تفسيره: في الصحيح عن عبدالله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام ، الحديث ؛ قال علماؤنا: كان هذا الخروج من عمر بعد ما فتح بيت المقدس سنة سبع وعشرة على ما ذكره خليفه بن خياط ، كان يتفقد أحوال رعيته وأحوال أمرائه بنفسه ، فقد دل القرآن والسنة وبينا ما يجب على الإمام من تفقد أحوال رعيته ومباشرة ذلك بنفسه والسفر إلى ذلك وإن طال ، [تفسير القرطبي- النمل 20]. فهذا حال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إماما في الرعاية والتفقد لرعيته بنفسه لمن هو قريب منه والسفر إلى من كان بعيدا عن حاضرة الدولة المدينة المنورة ،
وهو بهذا الصنيع الذي تحفل سيرته العطرة بالكثير منه، يعلمنا قيمة التفقد والقيام بالمسئولية الإدارية في أحسن صورها ، وهذا مما حباه الله به فقد تخرّج من مدرسة النبوة فكان نعم القائد والمُربي رضي الله عنه وأرضاه.