القول الثالث في الآية: أن ( أَمَرْنَا) بمعنى: أَكْثرنا ، أي: أكثرنا مترفيها
، ففسقوا. ايه اذا اردنا ان نهلك قريه امرنا مترفيها. وقال أبو عبيدة: ( أَمْرُنَا) بمعنى: أكثرنا ، لغة فصيحة ، كآمرنا ، بالمد. وقد علمتَ أن التحقيق الذي دل عليه القرآن: أنَّ معنى الآية: أمَرْنا مترفيها
بالطاعة فعصوا أمْرَنا ، فوجب عليهم الوعيد ، فأهلكناهم ، كما تقدم إيضاحه. تنبيه:
في هذه الآية الكريمة سؤال معروف ، وهو أن يقال: إن الله أسند الفسق فيها لخصوص
المترفين دون غيرهم في قوله ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا) مع أنه
ذكر عموم الهلاك للجميع، المترفين وغيرهم ، في قوله ( فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) يعني: القرية ، ولم يستثن منها غير المترفين ؟.
وقفة مع قوله تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها...) - بوابة الأهرام
بسم الله الرحمن الرحيم. قال الله تعالى:-
( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "16")
الحق تبارك وتعالى في هذه الآية يعطينا مثالاً لعاقبة الخروج عن منهج الله تعالى؛ لأنه سبحانه حينما يرسل رسولاً ليبلغ منهجه إلى خلقه، فلا عذر للخارجين عنه؛ لأنه منهج من الخالق الرازق المنعم، الذي يستحق منا الطاعة والانقياد. وقفة مع قوله تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها...) - بوابة الأهرام. وكيف يتقلب الإنسان في نعمة ربه ثم يعصاه؟ إنه رد غير لائق للجميل، وإنكار للمعروف الذي يسوقه إليك ليل نهار، بل في كل نفسٍ من أنفاسك. ولو كان هذا المنهج من عند البشر لكان هناك عذر لمن خرج عنه، ولذلك يقولون: " من يأكل لقمتي يسمع كلمتي ". كما أن هذا المنعم سبحانه لم يفاجئك بالتكليف، بل كلفك في وقت مناسب، في وقت استوت فيه ملكاتك وقدراتك، وأصبحت بالغاً صالحاً لحمل هذا التكليف، فتركك خمسة عشر عاماً تربع في نعمه وتتمتع بخيره، فكان الأولى بك أن تستمع إلى منهج ربك، وتنفذه أمراً ونهياً؛ لأنه سبحانه أوجدك من دم وأمدك من عدم. والمتأمل في قضية التكليف يرى أن الحق سبحانه بعضنا أن يكلف بعضاً، كما قال تعالى:
{ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها.. "132"}
(سورة طه)
وقد شرح لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه القضية فقال: " مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر ".
وللمفسرين طرائق كثيرة تزيد على ثَمان لتأويل هذه الآية متعسفة أو مدخولة ، وهي متفاوتة ، وأقربُها قول من جعل جملة أمرنا مترفيها} إلخ صفةً ل { قرية} وجعل جواب ( إذا) محذوفاً. والمترَفُ: اسم مفعول من أترفه إذا أعطاه التُرفةَ. بضم التاء وسكون الراء أي النعمة. والمترفون هم أهل النعمة وسعة العيش ، وهم معظم أهل الشرك بمكة. اذا اردنا ان نهلك قرية. وكان معظم المؤمنين يومئذٍ ضعفاء قال الله تعالى: { وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا} [ المزمّل: 11]. وتعليق الأمر بخصوص المترفين مع أن الرسل يخاطبون جميع الناس ، لأن عصيانهم الأمرَ الموجه إليهم هو سبب فسقهم وفسق بقية قومهم إذ هم قادة العامة وزعماء الكفر فالخطاب في الأكثر يتوجه إليهم ، فإذا فسقوا عن الأمر اتبعهم الدهماء فعم الفسق أو غلب على القرية فاستحقت الهلاك. وقرأ الجمهور أمرنا} بهمزة واحدة وتخفيف الميم ، وقرأ يعقوب { آمرنا} بالمد بهمزتين همزة التعدية وهمزة فاء الفعل ، أي جعلناهم آمرين ، أي داعين قومهم إلى الضلالة ، فسكنت الهمزة الثانية فصارت ألفاً تخفيفاً ، أو الألف ألف المفاعلة ، والمفاعلةُ مستعملة في المبالغة ، مثل عافاه الله. والفسق: الخروج عن المقر وعن الطريق.