فتطبيق الأحكام الشرعية يؤدي إلى الانسجام والتوافق الاجتماعي باعتبار إنّ حفظ الحقوق والواجبات ستكون قضية مضمونة – على الأقل – لجميع الأفراد. والشفرة الأخلاقية للدين تدين كلّ أشكال الإعتداء، والظلم، والغش، والخداع. وبذلك فهي تخلق مناخاً طبيعياً لذلك الانسجام والمودّة الجماعية ونكران الذات والتعايش الأخلاقي من أجل هدف أسمى وهو عبادة الخالق عزّ وجلّ. إلّا إنّ السؤال المهم الذي يطرح في هذا المقام كيف يقوم الدين، بنجاح، بإنشاء ذلك الدافع الجماعي نحو ممارسة السلوك الأخلاقي؟ لا شكّ أنّ السلوك الأخلاقي لابدّ وأن ينشأ من دوافع دينية محضة. فالإطاعة الأخلاقية للأوامر لا تؤتي ثمارها إلّا في الإطار الديني، لأنّ تلك الطاعة إنما تنبع في واقع الحال من إلزام ذاتي داخلي وليست وليدة إكراه قانوني خارجي. صور الحياه الاجتماعيه العمل الحر. فالقانون يستطيع أن يفرض نظاماً أخلاقياً معيناً على الأفراد، إلّا إنّ الدين قادر على تربية المكلّف على إطاعة الشريعة ضمن الإلزام الذي تنشئُهُ تلك الرسالة الإلهية عند الفرد القادر على تحمل التكليف. ومن الطبيعي، فهناك ثلاثة أصعدة يقوم من خلالها الدين بتنمية الدافع الإنساني نحو العمل الأخلاقي بين الأفراد. وتلك الأصعدة هي:
الأوّل: تنوير ذات الفرد بأنّ الأخلاق والتعامل الأخلاقي مع بقية الأفراد ومع الخالق عزّ وجلّ هو جزء من جوهر الرسالة الدينية.
صور الحياه الاجتماعيه اون لاين
في الأربعاء 27 ذو القعدة 1442ﻫ الموافق لـ 7-7-2021م
Estimated reading time: 10 minute(s)
كتب للأحساء اليوم: عبدالله بن عيسى الذرمان
تمثل الوثائق القديمة مصدرًا مهمًا في معرفة مجالات الحياة العامة في القرون الماضية؛ فقد تضمنت بين حروفها معالم اجتماعية واقتصادية وثقافية وغيرها، ومن الوثائق المهمة ما يتعلق بالتركات؛ وهي تُعنى بتدوين بيع المواد والأصناف التي خلفها المتوفى ويكون عائدها لأهل البيت أو سداد متطلبات، وغالبًا ما يسجل فيها اسم المشتري والصنف والقيمة المالية، وجاء تدوين التركات مرآة حقيقة لأبعاد عديدة في حياة المجتمع الأحسائي من حيث الاهتمامات والسلوكيات والمسميات. وقد حصلت الأدوات المنزلية المستخدمة في شؤون الحياة اليومية داخل المنازل على النصيب الأكبر، وعكست الوثائق المعجم القاموسي للمفردات المستخدمة في البيئة الأحسائية ويمكننا تصنيفها إلى ما يلي:
-أدوات الإضاءة: جاء في إحدى الوثائق كلمة فنر. -أدوات الحفظ: جاء في إحدى الوثائق كلمة البشتختة وهي صندوق صغير لحفظ الأشياء الثمينة كالمبالغ المالية أو القطع الذهبية أو اللؤلؤ وغير ذلك.
الثاني: تربية الفرد على احترام الشريعة واحترام الأحكام المنبثقة منها. فالشريعة تنتشل الفرد منذ عمر التكليف اليافع لتمنحه حقوقاً وتفرض عليه واجباتٍ معينة تنمو وتتطور معه نموه وتطوره العقلي والفكري. فالضمير الإنساني يعلم بأنّ الأحكام الشرعية الخاصة بالفرد والمجتمع إنّما شرّعت من أجل المصلحة العليا للنظام الاجتماعي. بل إنّ الضمير الإنساني يستطيع التمييز بين أخلاقية الأحكام الشرعية وعدم أخلاقية بعض القوانين الوضعية الخاصة بالحرية الفردية في إشباع الغرائز. صور من الحياة الاجتماعية بالأحساء في ضوء وثائق التركات -. الثالث: إنّ الدين يربي الفرد على الإيمان بأنّ الطبيعة الإنسانية مجبولة على حب الخير، والتراحم، والتعاطف، والبذل، والإنفاق، واحترام حقوق الآخرين. ومع إنّ النفس الإنسانية كانت قد أُلهمت التقوى والفجور، كما يؤكد لنا القرآن المجيد، إلّا انّ رسالة الدين تهدف دائماً إلى إنشاء ذلك الدافع الأخلاقي الخيّر لدى الفرد، وإلى تحريك تلك الطبيعة المجبولة على حب الخير، والإنفاق، والتعاطف الاجتماعي. إنّ أهم ما يميز المجتمع الإسلامي من غيره من المجتمعات هو أنّ الأحكام الشرعية والقوانين التي تنظّم شؤون الأفراد تندمج مع بعضها البعض اندماجاً شرعياً محكماً من أجل النظر إلى مصلحة الفرد.