وزيد في هذه السورة ذكر المجوس والمشركين لأن هذه الآية مسوقة لبيان التفويض إلى الله في الحكم بين أهل المِلل ، فالمجوس والمشركون ليسوا من أهل الإيمان بالله واليوم الآخر. فأما المجوس فهم أهل دين يثبت إلهين: إلهاً للخير ، وإلهاً للشرّ ، وهم أهل فارس. ثم هي تتشعب شعباً تأوي إلى هذين الأصلين. وأقدم النِحَل المجوسية أسسها ( كيومرث) الذي هو أول ملك بفارس في أزمنة قديمة يظن أنها قبل زمن إبراهيم عليه السلام ، ولذلك يلقب أيضاً بلقب ( جل شاه) تفسيره: ملك الأرض. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ – التفسير الجامع. غير أن ذلك ليس مضبوطاً بوجه علمي وكان عصرُ ( كيومرث) يلقب ( زروان) أي الأزل ، فكان أصل المجوسية هم أهل الديانة المسماة: الزروانية وهي تثبت إلهين هما ( يَزدَان) و ( أهْرُمُن). قالوا: كان يَزذان منفرداً بالوجود الأزلي ، وأنه كان نُورانياً ، وأنه بقي كذلك تسعة آلاف وتسعين سنة ثم حدث له خاطر في نفسه: أنه لو حَدَث له منازع كيف يكون الأمر فنشأ من هذا الخاطر موجود جديد ظلماني سمي ( أهْرُمُن) وهو إله الظلمة مطبوعاً على الشرّ والضرّ. وإلى هذا أشار أبو العلاء المعرّي بقوله في لزومياته: قال أناسٌ باطل زعمهُم... فراقِبُوا الله ولاَ تَزعُمُنْ فكّرَ يَزدانُ على غِرّة... فصيغ من تفكيره أهْرُمُن فحدث بين ( أهْرُمن) وبين ( يزدان) خلاف ومحاربة إلى الأبد.
- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ – التفسير الجامع
- تفسير: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين... )
- إعراب قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله الآية 17 سورة الحج
- شبهة لغوية حول قوله تعالى إن الذين آمنوا...والصابئون - موقع مقالات إسلام ويب
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ – التفسير الجامع
من الشبه اللغوية التي أثيرت حول القرآن الكريم، ما جاء في سورة المائدة في قوله تعالى: { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (المائدة:69) قال أصحاب هذه الشبهة: لِمَ لم ينصب المعطوف { الصابئون} على اسم { إن} وهو { الذين آمنوا والذين هادوا} ومقتضى القواعد النحوية أن يقال: (والصابئين) لأن اسم (إنَّ) منصوب، وما عُطف عليه فحقه أن يكون كذلك، ورفعه من الخطأ البيِّن. هذا ما قالوه في هذه الآية، والرد على الشبهة بأن يقال:
إن مجيء الآية على النحو الذي جاءت به، هو وجه من وجوه بلاغة القرآن، وجانب من جوانب إعجازه، يوضِّح هذا ويؤكِّده ما جاء عن أئمة اللغة في توجيه هذه الآية الكريمة. قال الخليل و سيبويه: رفع (الصابئون) في الآية محمول على التقديم والتأخير؛ والتقديم والتأخير أمر جار ومعهود في كلام العرب، وهو كثير في القرآن الكريم، يعلمه كل من كان على دراية وعلم بلغة القرآن وأسلوبه، قالوا: وتقدير الكلام في الآية: (إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى كذلك) قالوا: ومن ذلك قول الشاعر:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق
أي: وإلا فاعلموا أنا بغاة ما بقينا في شقاق، وأنتم كذلك.
تفسير: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين... )
وكذلك عندما جاء سيدنا عيسى برسالته، صدقوه، وآمنه معه، ولم يتمسكوا برسالة سيدنا موسى، وكان لديهم تنبؤ بقدوم نبي الإسلام، وآمنوا بالله واليوم الآخر، سيكون لهم أجر عظيم عند الله عز وجل ولن يظلمهم أبداً. أما من تمسك بدينه، ولم يتبع رسالات الله التي جاءت من بعد موسى وعيسى، وكذبوا بنبوة محمد، فهؤلاء من الهالكين يوم القيامة، والعياذ بالله. وبهذا لا يُمكننا أن نقول أن هناك تناقض بين الآيات في القرآن الكريم، فلا تتناقض تلك الآية مع قوله عز وجل في سورة آل عمران "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ". من هم اليهود والصائبون والنصارى الذين تتحدث عنهم الآية
أولاً: اليهود
اليهود هو هؤلاء القوم، الذين آمنوا بسيدنا موسى، وكانت التوراة دينهم. وأُطلق عليهم هذا الاسم من الهدى وتُعنى التوبة، وقيل أنهم لُقبوا بهذا نسبة إلى يهوذا من أبناء سيدنا يعقوب عليه السلام. شبهة لغوية حول قوله تعالى إن الذين آمنوا...والصابئون - موقع مقالات إسلام ويب. وفي رواية أخرى أنهم يتهودون، أي يميلون ويتحركون عند قراءة القرآن الكريم. واليهود المقصودين في الآية الكريمة، هم هؤلاء الذين آمنوا برسالة سيدنا موسى، وإن طال بهم العمر ونزل سيدنا عيسى، كانوا سيؤمنون به.
إعراب قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله الآية 17 سورة الحج
وهذا أولى من جعل { والصابون} مَبْدأ الجملة وتقدير خبر له ، أي والصابون كذلك ، كما ذهب إليه الأكثرون لأنّ ذلك يفضي إلى اختلاف المتعاطفات في الحكم وتشتيتها مع إمكان التفصّي عن ذلك ، ويكون قوله: { من آمن بالله} مبتدأ ثانياً ، وتكون ( من) موصولة ، والرّابط للجملة بالّتي قبلها محذوفاً ، أي من آمن منهم ، وجملة { فلا خوف عليهم ( 1)} خبراً عن ( مَن) الموصولة ، واقترانها بالفاء لأنّ الموصول شبيه بالشرط. وذلك كثير في الكلام ، كقوله تعالى: { إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم} [ البروج: 10] الآية ، ووجود الفاء فيه يعيّن كونه خبراً عن ( مَن) الموصولة وليس خبر إنّ على عكس قول ضابي بن الحارث: ومن يَك أمسى بالمدينة رحلُه... فإنّي وقبّار بها لغريب فإنّ وجود لام الابتداء في قوله: «لغريب» عيَّن أنّه خبر ( إنّ) وتقديرَ خبر عن قبّار ، فلا ينظّر به قوله تعالى: { والصابون}. ومعنى { من آمن بالله واليوم الآخر} من آمن ودَام ، وهم الّذين لم يغيّروا أديانهم بالإشراك وإنكارِ البعث؛ فإنّ كثيراً من اليهود خلطوا أمور الشرك بأديانهم وعبدوا الآلهة كما تقول التّوراة. ومنهم من جعل عُزيراً ابناً لله ، وإنّ النّصارى ألَّهوا عيسى وعبدوه ، والصابئة عبدوا الكواكب بعد أن كانوا على دين له كتاب.
شبهة لغوية حول قوله تعالى إن الذين آمنوا...والصابئون - موقع مقالات إسلام ويب
وقد جاء ذكر الصابين في سورة الحجّ مقدّماً على النّصارى ومنصوباً ، فحصل هناك مقتضى حال واحدة وهو المبادرة بتعجيل الإعلام بشمول فصل القضاء بينهم وأنّهم أمام عدل الله يساوون غيرهم. ثمّ عقّب ذلك كلّه بقوله: { وعمل صالحاً} ، وهو المقصود بالذّات من ربط السلامة من الخوف والحزن ، به ، فهو قيد في المذكورين كلّهم من المسلمين وغيرهم ، وأوّل الأعمال الصّالحة تصديق الرّسول والإيمان بالقرآن ، ثم يأتي امتثال الأوامر واجتناب المنهيات كما قال تعالى: { وما أدراك ما العقبة إلى قوله ثم كان من الّذين آمنوا} [ البلد: 12 17].
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) فذلكة لما تقدم ، لأنه لما اشتملت الآيات السابقة على بيان أحوال المترددين في قبول الإسلام كان ذلك مثاراً لأن يتساءل عن أحوال الفرق بعضهم مع بعض في مختلف الأديان ، وأن يسأل عن الدين الحق لأن كل أمة تدَّعي أنها على الحق وغيرها على الباطل وتجادل في ذلك. فبينت هذه الآية أن الفصل بين أهل الأديان فيما اختصموا فيه يكون يوم القيامة ، إذ لم تفدهم الحجج في الدنيا. وهذا الكلام بما فيه من إجمال هو جار مجرى التفويض ، ومثله يكون كناية عن تصويب المتكلم طريقته وتخطئته طريقة خصمه ، لأن مثل ذلك التفويض لله لا يكون إلا من الواثق بأنه على الحق وهو كقوله تعالى: { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير} [ الشورى: 15] وذلك من قبيل الكناية التعريضية. وذِكر المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين تقدم في آية البقرة وآية العقود. وزاد في هذه الآية ذكر المجوس والمشركين ، لأن الآيتين المتقدمتين كانتا في مساق بيان فضل التوحيد والإيمان بالله واليوم الآخر في كل زمان وفي كل أمة.
الحمد لله.