المقال
إن الإرهابيين ينظرون إلى العالم من حولهم بعداء شديد وبعيون سوداء وقلوب ملؤها الحقد، ولذا فإنهم يفهمون النصوص وفق هذه النفسية والرؤية، إلا أن الأخطر من فهم الإرهابيين أنهم يجدون، أحياناً،
في نصوص بعض العلماء والفقهاء ما يستندون عليه في آرائهم الإرهابية
من طبيعة النفوس المتطرفة أنها تولع ببعض المسائل الفرعية وتضخمها، وتجعل منها منظاراً تنظر من خلاله إلى الأشياء، وميزاناً تحاكم الأمور كلها إليه، وهذا دأب الغلاة في كل زمان ومكان. فالخوارج، كما يحدثنا تاريخهم، ظنوا الدين كله محصوراً في فهمهم لمسألة الحاكمية، وكفَّروا المسلمين وأسالوا دماءَهم أنهاراً إرضاءً لذلك الفهم، والإرهابيون اليوم حصروا الدين بقضايا فرعية فهموها فهماً يتناسب مع نفوسهم المتطرفة، ومن أهم القضايا التي ظن الإرهابيون الدين محصوراً فيها، وقتلوا الناس مسلمين وغير مسلمين بسببها، هي فهمهم السقيم للحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب". فقضية إخراج المشركين من جزيرة العرب تشكل ركناً أساساً في خطاب تنظيم القاعدة الموجه إلى داخل المملكة العربية السعودية، ووسيلة لإثارة مشاعر البسطاء وكسب تعاطف العامة، إذ يزعم منظرو القاعدة أنه يجب إخراج غير المسلمين من كل شبر من أرض الجزيرة العربية ولو عن طريق العمليات الإرهابية، ولم يبالوا إلى أن قولهم هذا مخالف لفعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه، وعمل أئمة الإسلام.
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب تجتمع بمنسقي اعلام
ما صحة حديث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب؟ - YouTube
أخرجوا المشركين من جزيرة العربيّة
وأولى الصحابة أن يراعى فقهه هم الخلفاء الراشدون لقوله –صلى الله عليه وسلم-:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" وقوله –عليه الصلاة والسلام-:"اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" ولأنهم كانت لهم الولاية على المسلمين فهم أولى الناس بإنفاذ هذا العهد المحمدي. فإذا نظرنا إلى فقه الصحابة لهذا الحديث رأينا ما يلي:
1) تولى أبو بكر الصديق الخلافة واليهود في خيبر على مسافة 180 كم من المدينة، ونصارى نجران في نجران ويهود اليمن في اليمن ومجوس الأحساء في الأحساء. وهو –رضي الله عنه- أعلم الناس بأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- وأعظم الأمة تعظيماً له فنجد أنه:
أ- سير جيش أسامة إلى الشام. ب- قاتل المرتدين في أنحاء الجزيرة النائية عن المدينة. ت- ثم لما فرغ من قتال المرتدين وجه الجيوش إلى العراق والشام، ثم توفي –رضي الله عنه- وجيوشه تقارع الفرس والروم وهؤلاء موجودون ولم يخرجهم.
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب السعودية
وأوْلى الصحابة أن يراعى فقهه هم الخلفاء الراشدون لقوله صلى الله
عليه وسلم: « عليكم بسنّتي وسنّة
الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي » ، وقوله عليه الصلاة
والسلام: « اقتدوا بالذين من بعدي أبي
بكر وعمر » ، ولأنهم كانت لهم الولاية على المسلمين فهم أوْلى
الناس بإنفاذ هذا العهد المحمدي. فإذا نظرنا إلى فقه الصحابة لهذا الحديث رأينا ما يلي:
1) تولى أبو بكر الصديق الخلافة واليهود في خيبر على مسافة 180 كم من
المدينة، ونصارى نجران في نجران ويهود اليمن في اليمن ومجوس الأحساء
في الأحساء. وهو رضي الله عنه أعلم الناس بأمر النبي صلى الله عليه
وسلم، وأعظم الأمة تعظيماً له؛ فنجد أنه:
أ- سيّر جيش أسامة إلى الشام. ب- قاتل المرتدّين في أنحاء الجزيرة النائية عن المدينة. ت- ثم لما فرغ من قتال المرتدّين، وجّه الجيوش إلى العراق والشام، ثم
توفي رضي الله عنه وجيوشه تقارع الفرس والروم وهؤلاء موجودون ولم
يخرجهم. 2) تولى عمر الخلافة فترك يهود خيبر في خيبر ونصارى نجران في نجران
ومجوس هجر في هجر، واشتغل بقتال الكفار في خارج جزيرة العرب فاستكمل
فتح فارس وفتح الشام، ثم سيّر الجيوش إلى مصر وفتح قبرص. فكانت جيوش
الخلافة تقاتل في القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، وهؤلاء على
أماكنهم في جزيرة العرب، ولم يخرج عمر منهم إلا يهود خيبر لمّا نقضوا
العهد وتعدّوا على ابنه عبد الله فزحزحهم إلى تيماء، ونصارى نجران لما
أخلفوا شرط الصلح مع النبي صلى الله عليه وسلم -الذي شرط عليهم عدم
التعامل بالربا- فأجلاهم عمر لما خالفوا ذلك، وأبقى يهود اليمن فهم
باقون إلى يومنا هذا، ومجوس الأحساء حتى أسلموا واندمجوا مع المسلمين
ولم تعد لهم باقية (أحكام أهل الذمة لابن القيم 1/175-191).
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب اللندنية
قال مالك والشافعي وغيرهما: إلا أن الشافعي والهادوية خصوا ذلك بالحجاز، قال الشافعي: وإن سأَل من يعطي الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن له ذلك ، والمراد بالحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلها …. قال الشافعي: ولا أعلم أحداً أجلى أحداً من أهل الذمة من اليمن، وقد كانت بها ذمة ، وليس اليمن بحجاز فلا يجليهم أحد من اليمن، ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن" ([4]).
" وقد روي عن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال: إن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أخرجوا اليهود من الحجاز" ([5])
فأما إخراج أهل نجران منه فلأن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم على ترك الربا فنقضوا عهده فكأن جزيرة العرب في تلك الأحاديث أريد بها الحجاز وإنما سمي حجازاً لأنه حجز بين تهامة ونجد ولا يمنعون أيضاً من أطراف الحجاز كتيماء وفيد ونحوهما لأن عمر لم يمنعهم من ذلك" ([6]).
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب تعقد اجتماعها الأخير
وعقد استقدام العامل الكافر لا يجوز الاستمرار فيه، ولا يجب الوفاء به حتى انتهاء مدة عقده، فلا يدخل في عموم قول الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " ([17]) ، كما يظنه بعض من قال لك ذلك، وإنما المراد بها وجوب الوفاء بالعقود التي يجب الوفاء بها، سواء كانت بين الله وبين عباده، كالعقود التي عقدها الله على عباده، وألزمهم بها من أحكام دينه، أو كانت بين العباد بعضهم على بعض مما يجب الوفاء به، وهو ما وافق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن خالفهما فلا يجب الوفاء به، ولا يحل الالتزام به" ([18]). والحاصل: أنه لا يجوز دخول الكافرين جزيرة العرب ، إلا لمصلحةٍ فيها نفع للمسلمين بحيث تكون إقامتهم بقدر الحاجة التي تفي بالمقصود، ويمنعون مطلقاً من دخول الحجاز " مكة والمدينة "لتأكيد النبي عليه الصلاة والسلام بإجلاء اليهود منها. وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] متفق عليه. [2] أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/371). [3] نيل الأوطار للشوكاني (8/143). [4] سبل السلام للصنعاني (2/ 490). [5] أخرجه أحمد في مسنده، والحديث صحيح. [6] المغني لابن قدامة (10/603).
رابعا / قد يقول قائل: نحن لا نعترف بهذا العهد والأمان ؛ لأنهم هؤلاء الكفار قتلوا المسلمين وفعلوا بهم الأفاعيل..
نقول: قال الله جلّ وعلا: ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزرُ وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) سورة الإسراء. فكيف تُحمّل هذا الشخص ذنبا لم يقترفه ، وربما كان مُعارضا لسياسة دولته في اعتداءها على المسلمين ؟ وكما قال الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ في شريط الحادث العجيب في البلد الحبيب ـ حول أحداث الخُبر ـ: ( لو قدرنا – على أسوأ تقدير- أن الدولة التي ينتمي إليها هؤلاء الذين قتلوا ، دولة معادية للإسلام ؛ فما ذنب هؤلاء). والصحابة رضي الله عنهم كانوا في حالة قتال مع المشركين خارج الجزيرة العربية ومع ذلك لم يعتدوا على النصارى واليهود داخل الجزيرة إلا من نقض العهد منهم ، فكان نقض العهد هو السبب ليس القتال مع أمثالهم في دينهم. المسلمين وهو يظن أنه مستأمن بأمانٍ أو عهد لم يجز قتله حتى يبلغ مأمنه أو يُعلِمه الإمام أو نائبه بأنه لا أمان له. قال الإمام أحمد: "إذا أشير إليه ـ أي الحربي ـ بشيء غير الأمان ، فظنه أماناً ، فهو أمان ، وكل شيء يرى العدو
فإن قال: لكني أعتقد أن عهده باطل وغير صحيح..
نقول: حتى وإن كنت تظن أو تعتقد أن عهده باطل فإن الكافر الحربي لو دخل بلاد أنه أمانٌ فهو أمان" أ.