وكم من عالم أو إنسان مؤمن مخلص عامل في سبيل الله وقع ضحية الفجور في الخصومة. وقد عانى من ذلك المرجع الديني والمفكر الإسلامي الكبير الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله باتهامه تارة بالعمالة، وأخرى بالخروج على ثوابت المذهب، وثالثة بالشخصانية وغير ذلك. فعلى سبيل المثال وفي الفترة العصيبة التي رافقت حجزه ثم استشهاده، بعث أحدهم برسالة مضمونها كما يلي: (إننا نعلم أن الحجز مسرحية دبرها لك البعثيون، وأنت تمثل دور البطل فيها، والغرض منها إعطاؤك حجماً كبيراً في أوساط الأمة، إننا نعلم إنك عميل لأمريكا، ولن تنفعك هذه المسرحية!! الفجور في الخصومة - مقال للشيخ علي حسن. ) يقول شاهد القضية: (لقد رأيت السيد الشهيد قابضاً على لحيته الكريمة وقد سالت دمعة ساخنة من عينيه وهو يقول: لقد شابت هذه من أجل الإسلام أفأتّهم بالعمالة لأمريكا وأنا في هذا الموقع؟! ). وقد اعتبر الشهيد الصدر أن الدنيا هي التي غرت هؤلاء ولبّست عليهم الأمور، وهذا هو الفرق بين المؤمن الحقيقي عمن سواه، قال: (ما هي هذه الدنيا التي نحبها ونريد أن نُغرق أنفسنا فيها ونترك رضواناً من الله أكبر؟ نترك ما لا عين رأت ولاأذن سمعت ولا اعترض على خيال بشر. ليكن همنا أن نعمل للاخرة، أن يعيش في قلوبنا حب الله سبحانه وتعالى بدلاً عن حب الدنيا.. أنا أعلن لكم يا أبنائي بأني صممت على الشهادة و لعل هذا آخر ما ستسمعونه مني وإن ابواب الجنة قد فُتحت لتستقبل قوافل الشهداء، حتى يكتب الله لكم النصر).
الفجور في الخصومة - مقال للشيخ علي حسن
والخصومة مع الأعداء أشد منها مع الأصدقاء، وهي بين الأقران أشد منها مع الأبعدين، وفي الجيران أشد منها بين الأسرة الواحدة، وبين أبناء العمومة أشد منها بين الأشقاء، وهكذا بين الأقرب فالأقرب دواليك. ولأجل هذا -عباد الله- جاءت الشريعة الغراء ذامةً للخصومة فاضَّةً للنزاع محذرةً من التجاوز فيهما والخروج عن الإطار المشروع لهما؛ وهو طلب الحق؛ لتجعل مَنْ تجاوز ذلكم ممن التاث بسمة من سمات المنافقين؛ وهي الفجور في الخصومة الذي هو الميل وتجاوز الحد والحق. وإنه لمن المعلوم أن واقع الناس؛ إما عبادات أو معاملات، ثم إن المعاملات؛ إما أن تكون نيةً أو قولاً أو عملاً، ومن تجاوز الحد في هذه الأمور الثلاثة أو أخل بها ففيه من النفاق العملي بقدر الذي حصَّله منها، وجماع ذلكم هو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "آيةُ المنافِقِ ثلاث: إذا حدَّثَ كَذَب، وإذَا وعَدَ أخْلَف، وإذا اؤتمِنَ خَان" رواه البخاري ومسلم، وفي رواية -وهي التي تعنينا هنا-: "وإذَا خَاصَمَ فَجَر". الفُجُور في الخُصومةِ - شبكة يسألونك الإسلامية. فالفجور في الخصومة هو ثلث المعاملات؛ لأن القول يقابله الكذب والفجور في الخصومة، والنية يقابلها إخلاف الوعد، والعمل يقابله خيانة الأمانة. الفاجر في الخصومة -عباد الله- هو من يعلم أن الحق ليس معه فيجادل بالباطل؛ فيقع فيما نهى عنه الله -جل وعلا- بقوله: (ولاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:188] قال بعض السلف: "هذا في الرجل يخاصم بلا بينة ويعرف أن الحق عليه".
الفُجُور في الخُصومةِ - شبكة يسألونك الإسلامية
وكم نرى من مترفع عن تلكم الفواحش والآثام ولسانه يفري في الأعراض ولا يبالي ما يقول؛ فيبغي على خصمه، والله -جل وعلا- يقول: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة - علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها- وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل، والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض لا تحل إلا بإذن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-". ولذا -عباد الله- فإن الفاجر في الخصومة ليس لديه حدٌّ ولا ضابط فيها، غايته تبرر وسيلته؛ سواء أكان هذا الفاجر في الخصومة في باب الحقوق أو العقائد أو الأخلاق. ومن نظر إلى واقع المسلمين اليوم وما يكون فيها من التراشق المقروء والمرئي والمسموع لَيجد لذلك أشكالاً وألواناً ويسمع رجع صدى لهذه المعرة؛ لتصبح ثقافة طالب العلم أو الصحفي أو الإعلامي أن الخصومة تبيح التطاول ليصل إلى النوايا ولينشر المستور.
ثانياً: الفُجُور في الخصومة من كبائر الذنوب،ويدل عليه ما ورد عن الأشعث رضي الله عنه قال:كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ، فَقُلْتُ: لَا. قَالَ:فَيَمِينُهُ، قُلْتُ: إِذَنْ يَحْلِفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ:مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) فَنَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ)رواه أحمد وأبو داوود، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة. كما أن الفُجُور مِن الطُّرق الموصلة إلى النَّار، كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ،وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ،وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ،وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) رواه البخاري ومسلم.
وقد يراد به التسمية ذاتها ، كقولك: أسد ثلاثة أحرف ، ففي الأول يقال: الاسم هو المسمى بمعنى يراد به المسمى ، وفي الثاني لا يراد المسمى ، وقد يجري اسم في اللغة مجرى ذات العبارة ، وهو الأكثر من استعمالها ، ومنه قوله تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها على أشهر التأويلات ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن لله تسعة وتسعين اسما. ويجري مجرى الذات ، يقال: ذات ونفس وعين واسم بمعنى ، وعلى هذا حمل أكثر أهل العلم قوله تعالى: سبح اسم ربك الأعلى تبارك اسم ربك إن هي إلا أسماء سميتموها. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة البقرة - الآية 31. الثالثة: واختلف أهل التأويل في معنى الأسماء التي علمها لآدم عليه السلام ، فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد وابن جبير: علمه أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها. وروى عاصم بن كليب عن سعد مولى الحسن بن علي قال: كنت جالسا عند ابن عباس فذكروا اسم الآنية واسم السوط ، قال ابن عباس: وعلم آدم الأسماء كلها. قلت: وقد روي هذا المعنى مرفوعا على ما يأتي ، وهو الذي يقتضيه لفظ " كلها " إذ هو اسم موضوع للإحاطة والعموم ، وفي البخاري من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء الحديث.
وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم
{ لَا عِلْمَ لَنَا} بوجه من الوجوه { إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} إياه, فضلا منك وجودا، { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} العليم الذي أحاط علما بكل شيء, فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض, ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. وعلم ادم الاسماء كلها ثم. الحكيم: من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق, ولا يشذ عنها مأمور، فما خلق شيئا إلا لحكمة: ولا أمر بشيء إلا لحكمة، والحكمة: وضع الشيء في موضعه اللائق به، فأقروا, واعترفوا بعلم الله وحكمته, وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم; وتعليمه إياهم ما لا يعلمون. أ هـ وفي هذا بيان بإقرار الملائكة بفضل العلم والعلماء قال تعالى: { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: من حديث معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » وقال صلى الله عليه وسلم: « من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ».. [رواه الإمام مسلم].
اية وعلم ادم الاسماء كلها
ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم فيستحيي.
وعلم ادم الاسماء كلها تفسير الشعراوي
وقال الضحاك عن ابن عباس: ( إن كنتم صادقين) إن كنتم تعلمون لم أجعل في الأرض خليفة. وقال السدي ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة: إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. وقال ابن جرير: وأولى الأقوال في ذلك تأويل ابن عباس ومن قال بقوله ، ومعنى ذلك فقال: أنبئوني بأسماء من عرضته عليكم أيها الملائكة القائلون: أتجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء ، من غيرنا أم منا ، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟ إن كنتم صادقين في قيلكم: إني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عصاني ذريته وأفسدوا وسفكوا الدماء ، وإن جعلتكم فيها أطعتموني واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس ، فإذا كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضت عليكم وأنتم تشاهدونهم ، فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد أحرى أن تكونوا غير عالمين.
هذا النص القرآني الكريم جاء في الربع الأول من سورة البقرة, وهي سورة مدنية, وآياتها مائتان وست وثمانون(286) بعد البسملة, ويدور محورها الرئيسي حول التشريع الإسلامي, وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق. وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم.
هذا, وقد سبق لنا استعراض هذه السورة المباركة وما جاء فيها من تشريعات, وعقائد, وأخبار, وقصص, وقواعد أخلاقية وسلوكية, وإشارات كونية, ونركز هنا علي ومضتي الإعجاز الإنبائي والعلمي في الإخبار عن ذلك العلم الوهبي الذي علمه ربنا ـ تبارك وتعالي ـ لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ عند خلقه.
وحقيقة هذا العلم الوهبي تناقض كل ادعاءات الماديين التي تنادي بأن الإنسان بدأ أبكم جاهلاً كافراً, ثم تعلم النطق بتقليد ما حوله من حيوانات, وعرف ربه من خلال فزعه من الأحداث الطبيعية من حوله كالزلازل وثورات البراكين, والعواصف والأعاصير وغيرها, وهي ادعاءات انتشرت في ظل الحضارة المادية المعاصرة هروباً من الإيمان بالخلق ومن الخضوع للخالق ـ سبحانه وتعالي ـ, ونوجز هنا شيئاً عن ومضتي الإعجاز الإنبائي والعلمي في النص القرآني الذي اخترناه عنواناً لهذا المقال.
أولاً: من أوجه الإعجاز الإنبائي في النص الكريم:
يؤكد هذا النص القرآني الكريم أن الإنسان بدأ عالماً, عابداً, ناطقاً, متكلماً بلغة منطقية مفهومة, في الوقت الذي ينادي أغلب علماء الدراسات الإنسية( الأنثروبولوجيا) بأن الإنسان الأول لم تكن له قدرة علي الكلام, ولم تكن له لغة يتكلم بها مع غيره سوي لغة الإشارة باليد الواحدة أو باليدين; وأنه لم تكن له أية عقيدة محددة, وإن تعرف علي الله ـ تعالي ـ بعد ذلك من خلال فزعه من الظواهر الطبيعية.