وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة ، حدثنا منجاب بن الحارث ، أنبأنا بشر بن عمارة ، حدثنا عمر بن حسان ، عن عطية العوفي قال: قلت له: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) الآية ، قالوا لمحمد ، صلى الله عليه وسلم: لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها ، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح ، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه فأنزل الله هذه الآية. قال: قلت: هل تروون هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم ، عن أبي سعيد ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم. وكذا روي عن ابن عباس ، والشعبي ، وقتادة ، والثوري ، وغير واحد في سبب نزول هذه الآية ، فالله أعلم. القرآن الكريم - في ظلال القرآن لسيد قطب - تفسير سورة الرعد - الآية 31. وقال قتادة: لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم ، فعل بقرآنكم. وقوله: ( بل لله الأمر جميعا) قال ابن عباس: [ أي] لا يصنع من ذلك إلا ما يشاء ، ولم يكن ليفعل ، رواه ابن إسحاق بسنده عنه ، وقاله ابن جرير أيضا. وقال غير واحد من السلف في قوله: ( أفلم ييأس الذين آمنوا) أفلم يعلم الذين آمنوا. وقرأ آخرون: " أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ". وقال أبو العالية: قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا ، ولو يشاء الله لهدى الناس جميعا.
لو ان قرانا سيرت به الجبال الناهضة
والمراد: بوعد الله: ما وعد به من فتح مكة.
لو ان قرانا سيرت به الجبال البركانية
يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد لما يدعو إليه من الحكم البالغة، وهو إضراب عما تضمنه الشرطية من معنى النفي، لا بحسب منطوقه، بل باعتبار موجبه ومؤداه، أي: لو أن قرآنا فعل به ما ذكر لكان ذلك هذا القرآن، ولكن لم يفعل، بل فعل ما عليه الشأن الآن، لأن الأمر كله له وحده ، فالإضراب ليس بمتوجه إلى كون الأمر لله سبحانه، بل إلى ما يؤدي إليه ذلك، من كون الشأن على ما كان لما تقتضيه الحكمة من بناء التكليف على الاختبار. أفلم ييأس الذين آمنوا أي: أفلم يعلموا على لغة هوازن، أو قوم من النخع، أو على استعمال اليأس في معنى العلم، لتضمنه له ، ويؤيده قراءة علي ، وابن عباس ، وجماعة من الصحابة، والتابعين رضي الله عنهم. لو أن قرءانا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى. أفلم يتبين بطريق التفسير ، والفاء للعطف على مقدر، أي: أغفلوا عن كون الأمر جميعا لله تعالى فلم يعلموا أن لو يشاء الله على حذف ضمير الشأن، وتخفيف أن لهدى الناس جميعا بإظهار أمثال تلك الآثار العظيمة، فالإنكار متوجه إلى المعطوفين جميعا، أو اعلموا كون الأمر جميعا لله فلم يعلموا ما يوجبه ذلك العلم، مما ذكر فهو متوجه إلى ترتب المعطوف على المعطوف عليه. أي: تخلف العلم الثاني عن العلم الأول. وعلى التقديرين: فالإنكار إنكار الوقوع كما في قوله تعالى: " ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا " لا إنكار الواقع كما في قولك: ألم تخف الله حتى عصيته، ثم إن مناط الإنكار ليس عدم علمهم بمضمون الشرطية فقط، بل مع عدم علمهم بعدم تحقق مقدمها، كأنه قيل: ألم يعلموا أن الله تعالى لو شاء هدايتهم لهداهم، وأنه لم يشأها، وذلك لأنهم كانوا يودون أن يظهر ما اقترحوا من الآيات ليجتمعوا على الإيمان.
لو ان قرانا سيرت به الجبال التي تتكون
القول في تأويل قوله تعالى: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا)
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك. فقال بعضهم: معناه: ( وهم يكفرون بالرحمن) ، ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) ، أي: يكفرون بالله ولو سير لهم الجبال بهذا القرآن. وقالوا: هو من المؤخر الذي معناه التقديم ، وجعلوا جواب "لو" مقدما قبلها ، وذلك أن الكلام [ ص: 447] على معنى قيلهم: ولو أن هذا القرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض ، لكفروا بالرحمن. لو ان قرانا سيرت به الجبال الناهضة. ذكر من قال ذلك:
20399 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) قال: هم المشركون من قريش ، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو وسعت لنا أودية مكة ، وسيرت جبالها ، فاحترثناها ، وأحييت من مات منا ، وقطع به الأرض ، أو كلم به الموتى! فقال الله تعالى: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا). 20400 - حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) ، قول كفار قريش لمحمد: سير جبالنا تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة ، أو قرب لنا الشأم فإنا نتجر إليها ، أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم!
لقد صنع في هذه النفوس وبهذه النفوس خوارق أضخم وأبعد آثارا في أقدار الحياة ، بل أبعد أثرا في شكل الأرض ذاته. فكم غير الإسلام والمسلمون من وجه الأرض ، إلى جانب ما غيروا من وجه التاريخ?! وإن طبيعة هذا القرآن ذاتها. طبيعته في دعوته وفي تعبيره. طبيعته في موضوعه وفي أدائه. طبيعته في حقيقته وفي تأثيره.. إن طبيعة هذا القرآن لتحتوي على قوة خارقة نافذة ، يحسها كل من له ذوق وبصر وإدراك للكلام ، واستعداد لإدراك ما يوجه إليه ويوحي به. والذين تلقوه وتكيفوا به سيروا ما هو أضخم من الجبال ، وهو تاريخ الأمم والأجيال ؛ وقطعوا ما هو أصلب من الأرض ، وهو جمود الأفكار وجمود التقاليد. وأحيوا ما هو أخمد من الموتى. وهو الشعوب التي قتل روحها الطغيان والأوهام. والتحول الذي تم في نفوس العرب وحياتهم فنقلهم تلك النقلة الضخمة دون أسباب ظاهرة إلا فعل هذا الكتاب ومنهجه في النفوس والحياة ، أضخم بكثير من تحول الجبال عن رسوخها ، وتحول الأرض عن جمودها ، وتحول الموتى عن الموات! ( بل لله الأمر جميعا). لو ان قرانا سيرت به الجبال المنفردة. وهو الذي يختار نوع الحركة وأداتها في كل حال. فإذا كان قوم بعد هذا القرآن لم تتحرك قلوبهم فما أجدر المؤمنين الذي يحاولون تحريكها أن ييأسوا من القوم ؛ وأن يدعوا الأمر لله ، فلو شاء لخلق الناس باستعداد واحد للهدى ، فلهدى الناس جميعا على نحو خلقة الملائكة لو كان يريد.
فتنة الناس عن دينهم هي الإرهاب، بل هي أشد من الإرهاب؛ كما في قول ربنا - تبارك وتعالى -: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 191]. وفي قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 217]. إخوتي، كلمة الفتنة مصطلح شرعي، فيُرجع إلى معرفة معناها إلى من يوثق بعلمه ودينه من أهل الاختصاص الذين ابيضَّت شعورهم في تعلُّم العلم وتعليمه، ليس كل فتنة مذمومة، فالدنيا التي امتنَّ الله بها علينا، فتنة ليعلم الشاكر من الكافر، فمن أدى حق الله فيما أعطاه، فقد نجا من فتنة الدنيا، ومن قصَّر في ذلك، فهو المفتون في الدنيا. الفتنة تكون محبوبة من جانب دون جانب؛ لما تؤول إليه من تميز حزب الرحمن من حزب الشيطان؛ كفتنة المنافقين الموجودين بينا. الفتنة تكون رفعة للمسلم، فالمصائب فتنة تكفَّر بها السيئات، وتُرفَع بها الدرجات. معنى الفتنة والغيبة - إسلام ويب - مركز الفتوى. الفتنة سُنة الله في الخلق، باقية ما دام يوجد كفر ونفاق وإيمان. أعظم الفتن وأشدها خطرًا: فتنة الناس عن دينهم، فالاعتداء على الدين أعظم جُرمًا من الاعتداء على النفوس.
معنى الفتنة والغيبة - إسلام ويب - مركز الفتوى
وَهَذِهِ يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ:
وَالْعَيْشُ فِتْنَانِ فَحُلْوٌ وَمُرٌّ
وَيُمْكِنُ أَنْ يُخْتَبَرَ ابْنُ آدَمَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. [2]
اصطلاحا [ عدل]
انظر أيضا [ عدل]
فجور
ابتلاء
مراجع [ عدل]
أعظم دعاة الفتنة هم المنافقون؛ حيث يتستَّرون بدعاوى مختلفة، يفتون بها المسلمين عن دينهم. المنافقون يصفون المصلحين بدعاة الفتنة، وقد أخبرنا الله عنهم بأنهم سقطوا في الفتنة، فهم في وحل الفتنة يخوضون. من الفتن التي قد لا يتفطَّن إليها الكثير: فتنة المنافقين بصرف الناس عن دينهم، وتسويغهم للشر بزعم المصلحة وجمع الكلمة تارة، وبحجة وجود خلاف تارة أخرى. من الفتنة: ترْك إنكار المنكر، وعدم الاحتساب على الخارجين على الشريعة
من الفتنة، وإتاحة المجال للخارجين على الشريعة المنزلة بحجة التعددية. إخوتي، إذا حصل شك في شخص، هل هو من دعاة الفتنة أم لا، فانظر قربه من الشيطان وبُعده، فإمام المفتونين إبليس، فعلى قدر متابعته الشيطان، تحصل الفتنة لمتابعه، وعلى قدر بُعده عنه، يكون بعده عن الفتنة.