تفسير قوله تعالى:
﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42]. قوله: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ﴾ ؛ أي: ولا تخلطوا الحقَّ بالباطل، بإظهار الباطل وتمويهه وترويجه في صورة الحق، فيلتبس أحدهما بالآخر، كما قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ﴾ [الأنعام: 137]. و"الحقُّ" الأمر الثابت، مِن حَقَّ: إذا ثبَتَ ووجب؛ أي: ولا تلبسوا الدِّينَ الحق، والقولَ الحق، وهو ما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عندكم من العلم بذلك. ولا تلبسوا الحق بالباطل. ﴿ بِالْبَاطِلِ ﴾ الباطل ضد الحق، وهو الأمر الزائل، الضائع، الزاهق المضمحل، كما قال تعالى: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]. قال لبيد:
ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ ♦♦♦ وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ [1]
والمراد بـ "الباطل" هنا تكذيبُهم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وإنكارهم شهادة كتُبِهم بصدقه، وزعمهم أنه خاصٌّ بالعرب ونحو ذلك، وما هم عليه من الدِّين المحرَّف.
- في رحاب قوله تعالى: { ولا تلبسوا الحق بالباطل } - الكلم الطيب
- ولا تلبسوا الحق بالباطل
- تفسير قوله تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}
- مامعنى. ًقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ً..
في رحاب قوله تعالى: { ولا تلبسوا الحق بالباطل } - الكلم الطيب
أيها المسلمون: إن أعداء الإسلام حريصون كل الحرص على التدليس بين الحق والباطل والخلط بينهما؛ حتى تشتد غربة الإسلام، ويتمكنوا من إضلال الأنام، ويتعاونون فيما بينهم في بث الشبهات حول الإسلام، وتشكيك المسلمين في كثير من عقائدهم وثوابتهم حتى يكون الحق باطلاً والباطل حقاً. يتعاونون في وضع هذا التلبيس في قوالب من الأقوال مزخرفة، وألفاظاً من القول خادعة، وتسمية للأشياء بغير أسمائها فَضَلّ بسبب ذلك كثير من الناس، وبعضهم وقف حائراً لا يدري أين وجهة الحق فيما يسمع ويرى من التناقضات وتبرير المواقف الخاطئة المخالفة للشريعة؟ بسبب استيلاء الهوى على النفوس واستيلاء الشهوات على القلوب كما قال الله: ( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) [الأنعام: 112]. تفسير قوله تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}. إن ربنا -تبارك وتعالى- نهانا عن هذه الصفة المقيتة -صفة لبس الحق بالباطل- فقال: ( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 42]. وذكر في آية أخرى أنها صفة من صفات اليهود والنصارى فقال: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [آل عمران: 71]، وقال عنهم في آية أخرى: ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 78].
ولا تلبسوا الحق بالباطل
ويحتمل أن تكون الواو "واو" المعية، فيكون الفعل "تكتموا" منصوب بأنْ مضمرة؛ لأن لبس الحق بالباطل يستلزم كتمانَ الحق، كما في قول الشاعر:
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مِثلَه ♦♦♦ عارٌ عليك إذا فعَلتَ عظيمُ [6]
أي: وأنت تأتي مثله.
تفسير قوله تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}
وجوزوا أن يكون { وتكتموا الحق} منصوباً بأن مضمرة بعد واو المعية ويكون مناط النهي الجمع بين الأمرين وهو بعيد لأن كليهما منهي عنه والتفريق في المنهي يفيد النهي عن الجمع بالأوْلى بخلاف العكس اللهم إلا أن يقال إنما نهوا عن الأمرين معاً على وجه الجمع تعريضاً بهم بأنهم لا يرجا منهم أكثر من هذا الترك للبس وهو ترك اللبس المقارن لكتم الحق فإن كونه جريمة في الدين أمر ظاهر. أما ترك اللبس الذي هو بمعنى التحريف في التأويل فلا يرجا منهم تركه إذ لا طماعية في صلاحهم العاجل. و ( الحَق) الأمر الثابت من حَقَّ إذا ثبت ووجب وهو ما تعترف به سائر النفوس بقطع النظر عن شهواتها. والباطل في كلامهم ضد الحق فإنه الأمر الزائل الضائع يقال بطل بُطلاً وبطولاً وبطلاناً إذا ذهب ضياعاً وخسراً وذهب دمه بُطلاً أي هدراً. والمراد به هنا ما تتبرأ منه النفوس وتزيله مادامت خلية عن غرض أوهوى ، وسمي باطلاً لأنه فعل يذهب ضياعاً وخساراً على صاحبه. ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق. واللبس خلط بين متشابهات في الصفات يعسر معه التمييز أو يتعذر وهو يتعدى إلى الذي اختلط عليه بعدة حروف مثل علَى واللاممِ والباءِ على اختلاف السياق الذي يقتضي معنى بعض تلك الحروف. وقد يعلق به ظرفُ عندَ.
وتفاديًا لما وقع فيه اليهود من الخلط والكتمان، قال أهل العلم: إن التأويل - الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره - لآيات القرآن الكريم لا يصح إلا إذا دلَّ عليه دليل قوي، أما إذا وقع التأويل لما يُظن أو يُتوهم أنه دليل فهو تأويل باطل، لا يُعرَّج إليه، ولا يصح التعويل عليه؛ إذ هو في حقيقته نوع من التحريف والتضليل، ناهيك عما إذا وقع التأويل من غير دليل أصلاً، فهو آكد في الحرمة، وأوجب للمنع، إذ هو من باب اللعب والهزء بآيات القرآن، ولا يخفى ما فيه. فمن أمثلة التأويل بدليل - وهو التأويل المشروع - قوله تعالى: { أتى أمر الله فلا تستعجلوه} (النحل: 1) ففسر العلماء الفعل ( أتى) وهو فعل ماض، يدل على وقوع الأمر وحدوثه، فسروه بـ ( سيأتي) واستدلوا لذلك بما جاء في سياق الآية نفسها، وهو قوله سبحانه بعدُ: { فلا تستعجلوه} فالنهي عن طلب استعجال الأمر بعدُ، دليل على عدم وقوع ما أُخبر عنه قبلُ. ومن أمثلة التأويل بغير دليل - وهو التأويل المذموم - ما ادعاه بعضهم، من جواز نكاح الرجل تسع نسوة، مستدلاً على ذلك، بقوله تعالى: { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} وهذا لا دليل عليه من نص أو وضع لكلام العرب، بل هو أمر ساقط، لا تقوم له قائمة تدل عليه.
أظهر الله -جل جلاله- في هذه الآية العظيمة قصدهم الحقيقي من وراء تأسيس هذا المسجد، وأنه لم يبنَ لهدف الخير وتسهيل الصلاة، وإنما بني ليكون مقراً للشر والكيد، يكيدون للإسلام من داخله، وينطلقون من وسطه للإضرار بالمسلمين، والايقاع بينهم، وتفريق كلمتهم، وشق عصاهم، وليكون مأوى لكل محارب لله ورسوله والمؤمنين. ولذلك هدمه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأزاله، وأمره ربه -جل وعلا- أن لا يقيم فيه، ولا يصلي داخله، لأنه شر ألبس لباس الخير، وباطل أظهر في صورة الحق، وأمرهم أن يبقوا في مسجدهم الأساسي الذي بني على تقوى الله ورضوانه. ( لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة: 108]. فعلينا -عباد الله- أن نفهم مكر أعداء الله بنا وكيدهم لنا، وحرصهم على لبس الحق بالباطل ولبس الباطل بالحق، لكي يضيع الدين، ويدرس العلم، وتضيع الثوابت، ويبقى الناس في شك وريب من دينهم. ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 104].
#صحح (64) تصحيح" قد جعل الله لكل شيء قدْرا" - YouTube
مامعنى. ًقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ً..
قد جعل الله لكل شي قدرا - YouTube
لأن أمر الله تعالى يتم وفق مقاديره ، وبالتالي لا يوجد في هذا الكون فوضى ، ولا كذلك في الأمم والشعوب ، فكل ما يجري في هذا الكون هو وفق أمر الله تعالى ، فقوانين الله تعالى نافذة كما يقدر لها الخالق سبحانه وتعالى.