الثانية: قوله تعالى: أنزلنا عليكم لباسا يعني المطر الذي ينبت القطن والكتان ، ويقيم البهائم الذي منها الأصواف والأوبار والأشعار; فهو مجاز مثل وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج على ما يأتي. وقيل: هذا الإنزال إنزال شيء من اللباس مع آدم وحواء ، ليكون مثالا لغيره. وقال سعيد بن جبير: أنزلنا عليكم أي خلقنا لكم; كقوله: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج أي خلق. على ما يأتي. وقيل: ألهمناكم كيفية صنعته. الثالثة: قوله تعالى: وريشا قرأ أبو عبد الرحمن والحسن وعاصم من رواية المفضل الضبي ، وأبو عمرو من رواية الحسين بن علي الجعفي ( ورياشا). الأعراف الآية ٢٦Al-A'raf:26 | 7:26 - Quran O. ولم يحكه أبو عبيد إلا عن الحسن ، ولم يفسر معناه. وهو جمع ريش. وهو ما كان من المال واللباس. وقال الفراء: ريش ورياش ، كما يقال: لبس ولباس. وريش الطائر ما ستره الله به. وقيل: هو الخصب ورفاهية العيش. والذي عليه أكثر أهل اللغة أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة. وأنشد سيبويه: فريشي منكم وهواي معكم وإن كانت زيارتكم لماما [ ص: 166] وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة: وهبت له دابة بريشها; أي بكسوتها وما عليها من اللباس. الرابعة: قوله تعالى وريشا ولباس التقوى ذلك خير بين أن التقوى خير لباس; كما قال: إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا وإن كان كاسيا وخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصيا وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهني قال: لباس التقوى الحياء.
الأعراف الآية ٢٦Al-A'raf:26 | 7:26 - Quran O
أخرج مسلم وأحمد
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «لا يدخل النار من
كان في قلبه مثقال حبَّة من إيمان،
ولا يدخل الجنَّة من كان في قلبه
مثقال حبَّة من كِبْر، فقال رجل:
يارسول الله! إنه يعجبني أن يكون ثوبي
غسيلاً، ورأسي دهيناً، وشراك نعلي
جديداً، وذكر أشياء... أَمِنَ
الكِبْرِ ذاك يارسول الله؟ قال: لا،
ذاك الجمال، إن الله عزَّ وجل جميل
يحبُّ الجمال، ولكن الكِبْرَ من
سَفَّهَ الحقَّ وازدرى الناس». فالإسلام
لا يُحرِّم شيئاً من الزينة الَّتي
خلقها الله لعباده، وهو ينكر على
الغُلاة والمتشدِّدين تحريمهم
لما أحلَّ الله ، قال
تعالى: {قل من حرَّمَ
زينةَ الله الَّتي أخرج لعباده.. }
فالزينة مباحة لجميع الناس، ولكن
الشكر عليها واجب لله الَّذي
خلقها وأنعم بها على عباده، وذلك
ليقترن نعيم الدنيا برضوان الله، ولتنقلب
العادات إلى عبادات وترتفع
الأعمال من الأرض وتكتب مقبولة في
السموات. يابني ادم قد انزلنا عليكم لباسا. روى أحمد والترمذي وابن
ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «من استجدَّ ثوباً
فلبسه فقال حين يبلغ تَرْقُوَته:
الحمد لله الَّذي كساني ما أواري به
عورتي وأتجمَّل به في حياتي، ثم عمد
إلى الثوب الخلِق فتصدَّق به كان في
ذمَّة الله وفي جوار الله، وفي
كَنَفِ الله، حياً وميتاً».
مؤيد المزين - يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا - Youtube
وقد امتنَّ الله على الناس بأن خلق
لهم المادَّة الَّتي يصنعون منها
ثيابهم، وجعلها في متناول أيديهم
كالصوف والقطن والوبر والحرير وهذا
هو معنى قوله تعالى: {أنزلنا
عليكم لباساً} ، حيث
ألهمهم طرق تصنيعه تحقيقاً لغايتين
هما: الستر لعوراتهم فتسمَّى
لباساً ، وزينة
لمظهرهم فتسمَّى ريشاً ،
فاللباس من الضرورات، والريشُ
الَّذي ذكر في الآية الكريمة يعني
الزينة من التحسينات والكماليات
المباحة الَّتي فُطِرَ الإنسان على
الرغبة فيها، بحيث يبدو
أمام الناس بالمظهر الجميل اللائق. فالمسلم
الحقيقي حسن المظهر دائماً، حلو
الكلام، عذب اللسان، يألف ويُؤْلف. مؤيد المزين - يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا - YouTube. وقد أحلَّ الله له الاستمتاع
بالطيِّبات ملتزماً حدود الاعتدال، فلا
إسراف ولا تبذير، ولا إفراط ولا
تفريط. وليس من الدِّين
في شيء إهمال نظافة الجسد ،
أو ارتداء البالي من الثياب بحجَّة
الزهد والتقشُّف ، فقد
أخرج أبو داود عن أبي الأحوص عن أبيه
قال: «أتيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم في ثوب دون، فقال: ألك
مال؟ قلت: نعم، قال: من أيِّ المال؟
قلت: قد آتاني الله من الإبل والغنم
والخيل والرقيق، قال: فإذا آتاك الله
فليُرَ أثرُ نعمةِ الله عليك وكرامته». ويشترط
في التزيُّن ألا يصل حداً يفتتن
الإنسان به ، ولابأس في أن
يتفنَّن به بما
علَّمه الله وهيَّأ له من الأسباب،
كي يتوصَّل إلى أنواع كثيرة من الزينة
المباحة الَّتي لا يخالطها إسراف أو
تكبُّر.
ثم امتن عليهم بما يسر لهم من اللباس الضروري ، واللباس الذي المقصود منه الجمال. وهكذا سائر الأشياء ، كالطعام والشراب والمراكب ، والمناكح ونحوها ، قد يسر الله للعباد ضروريها، ومكملَ ذلك ، وبين لهم أن هذا ليس مقصودا بالذات ، وإنما أنزله الله ليكون معونة لهم على عبادته وطاعته ، ولهذا قال: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ من اللباس الحسي ، فإن لباس التقوى يستمر مع العبد ، ولا يبلى ولا يبيد ، وهو جمال القلب والروح. وأما اللباس الظاهري ، فغايته أن يستر العورة الظاهرة ، في وقت من الأوقات ، أو يكون جمالًا للإنسان ، وليس وراء ذلك منه نفع. وأيضًا ، فبتقدير عدم هذا اللباس ، تنكشف عورته الظاهرة ، التي لا يضره كشفها مع الضرورة ، وأما بتقدير عدم لباس التقوى ، فإنها تنكشف عورته الباطنة ، وينال الخزي والفضيحة. وقوله: ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أي: ذلك المذكور لكم من اللباس ، مما تذكرون به ما ينفعكم ويضركم وتشبهون باللباس الظاهر على الباطن. [و] يقول تعالى ، محذرا لبني آدم أن يفعل بهم الشيطان كما فعل بأبيهم: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ، بأن يزين لكم العصيان ، ويدعوكم إليه ، ويرغبكم فيه ، فتنقادون له كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ، وأنزلهما من المحل العالي إلى أنزل منه ، فأنتم يريد أن يفعل بكم كذلك ، ولا يألو جهده عنكم ، حتى يفتنكم ، إن استطاع ، فعليكم أن تجعلوا الحذر منه في بالكم ، وأن تلبسوا لأمَةَ الحرب بينكم وبيْنه ، وأن لا تغفُلوا عن المواضع التي يدخل منها إليكم.