فلما بغى المشركون ، وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم ، وهموا بقتله ، وشردوا أصحابه شذر مذر ، فذهب منهم طائفة إلىالحبشة ، وآخرون إلى المدينة. فلما استقروا بالمدينة ، ووافاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واجتمعوا عليه ، وقاموا بنصره وصارت لهم دار إسلام ومعقلا يلجئون إليه شرع الله جهاد الأعداء ، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك ، فقال تعالى: ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير)
الإذن بالقتال - أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا - قصة المدينة - د. راغب السرجاني| قصة الإسلام
ومؤدَّى القولين واحد، وهو الأذن بقتال الكفار، الصادِّين عن رسالة الإسلام وهديه. هذا وقد ذهب كثير من السلف أن هذه الآية هي أول آية نزلت في الإذن بجهاد الكافرين؛ فعن قتادة، في قوله سبحانه: { أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا} قال: هي أول آية أنزلت في القتال، فأذن لهم أن يقاتِلوا. وذلك أن المشركين كانوا يؤذون المؤمنين بمكة أذى شديدًا، فكان المسلمون يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه، فيقول لهم: اصبروا، فإني لم أُومَر بالقتال. فلما هاجر إلى المدينة، نزلت هذه الآية إذنًا لهم بالتهيؤ للدفاع عن أنفسهم، ولم يكن قتال قبل ذلك، كما يُؤذِنُ به قوله تعالى عقب هذا: { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} (الحج:40). وجاء في تفسير ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما أُخرِج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر رضي الله عنه: أخرجوا نبيهم! إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فأنزل الله عز وجل: { أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: فعرفتُ أنه سيكون قتال. ووراء سبب نزول هذه الآية، ما يفيد أنه سبحانه وتعالى لم يشأ أن يترك المؤمنين للفتنة، إلا ريثما يستعدون للمقاومة، ويتهيأون للدفاع، ويتمكنون من وسائل الجهاد.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الحج - الآية 39
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا - YouTube
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الحج - الآية 39
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا. - YouTube
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأنَّهم ظُلِمُوا وإنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لِقَدِيرٌ﴾
جُمْلَةٌ وقَعَتْ بَدَلَ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ (﴿إنَّ اللَّهَ يُدافِعُ﴾ [الحج: ٣٨]) لِأنَّ دِفاعَ اللَّهِ عَنِ النّاسِ يَكُونُ تارَةً بِالإذْنِ لَهم بِمُقاتَلَةِ مَن أرادَ اللَّهُ مُدافَعَتَهم عَنْهم فَإنَّهُ إذا أُذِنَ لَهم بِمُقاتِلَتِهِمْ كانَ مُتَكَفِّلًا لَهم بِالنَّصْرِ. وقَرَأ نافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ (أُذِنَ) بِالبِناءِ لِلنّائِبِ. وقُراهُ الباقُونَ بِالبِناءِ إلى الفاعِلِ. (p-٢٧٣)وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ، وأبُو جَعْفَرٍ (يُقاتَلُونَ) بِفَتْحِ التّاءِ الفَوْقِيَّةِ مَبْنِيًّا إلى المَجْهُولِ. وقَرَأهُ البَقِيَّةُ بِكَسْرِ التّاءِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. والَّذِينَ يُقاتَلُونَ مُرادٌ بِهِمُ المُؤْمِنُونَ عَلى كِلْتا القِراءَتَيْنِ لِأنَّهم إذا قُوتِلُوا فَقَدْ قاتَلُوا. والقِتالُ مُسْتَعْمَلٌ في المَعْنى المَجازِيِّ إمّا بِمادَّتِهِ. وإمّا بِصِيغَةِ المُضِيِّ. فَعَلى قِراءَةِ فَتْحِ التّاءِ فالمُرادُ بِالقِتالِ فِيهِ القَتْلُ المُجازِيُّ. وهو الأذى. وأمّا عَلى قِراءَةِ (يُقاتِلُونَ) بِكَسْرِ التّاءِ فَصِيغَةُ المُضِيِّ مُسْتَعْمَلَةٌ مَجازًا في التَّهَيُّؤِ والِاسْتِعْدادِ.
وذَهَبَ المُفَسِّرُونَ إلى أنَّ الباءَ سَبَبِيَّةٌ وأنَّ المَأْذُونَ بِهِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (يُقاتَلُونَ)، أيْ أُذِنَ لَهم في القِتالِ، (p-٢٧٤)وهَذا يَجْرِي عَلى كِلْتا القِراءَتَيْنِ في قَوْلِهِ (يُقاتَلُونَ)، والتَّفْسِيرِ الَّذِي رَأيْتُهُ أنْسَبَ وأرْشَقَ. وجُمْلَةُ ﴿وإنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ﴾، أيْ أُذِنَ لَهم بِذَلِكَ وذُكِّرُوا بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَلى أنْ يَنْصُرَهم. وهَذا وعْدٌ مِنَ اللَّهِ بِالنَّصْرِ وارِدٌ عَلى سُنَنِ كَلامِ العَظِيمِ المُقْتَدِرِ بِإيرادِ الوَعْدِ في صُورَةِ الإخْبارِ بِأنَّ ذَلِكَ بِمَحَلِّ العِلْمِ مِنهُ ونَحْوِهِ، كَقَوْلِهِمْ: عَسى أنْ يَكُونَ كَذا، أوْ أنَّ عِنْدَنا خَيْرًا، أوْ نَحْوَ ذَلِكَ، بِحَيْثُ لا يَبْقى لِلْمُتَرَقِّبِ شَكٌّ في الفَوْزِ بِمَطْلُوبِهِ. وتَوْكِيدُ هَذا الخَبَرِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ لِتَحْقِيقِهِ، أوْ تَعْرِيضٌ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنزِلَةَ المُتَرَدِّدِ في ذَلِكَ لِأنَّهُمُ اسْتَبْطَأُوا النَّصْرَ.