الأقوال في شأن نزول الآيات:
تعددت الأقوال في قصة نزول الآيات المذكورة ، منها أن النبي ( صلى الله عليه و آله) كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَ يَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً فلم ترتض عائشة مكوث رسول الله ( صلى الله عليه و آله) عند زينب فلذلك تواطئت مع صاحبتها حفصة على أن تَحُولا دون تكرار هذا العمل ، فاتفقتا على أن تقول كلُّ منهما لدى دخول الرسول ( صلى الله عليه و آله) عليها أنها تستشم منه رائحة المغافير [1] الكريهة و تسألانه هل أكلت مغافير ؟! و عندما دخل عليهما الرسول ( صلى الله عليه و آله) طرحت كل واحدة منهما السؤال المذكور عليه ، لكنه ( صلى الله عليه و آله) قال: لا ، لم آكل مغافير ، بل شربت عسلاً عند زينب ، و لأنه ( صلى الله عليه و آله) كان يكره بشدة أن يستشم منه رائحة كريهة قرَّرَ أن يمتنع من شرب العسل ، لكن حفصة أفشت ما أسرَّ لها النبي ( صلى الله عليه و آله). و من الأقوال في هذه القصة أيضاً ما رُوِيَ أن التي أطعمت النبي ( صلى الله عليه و آله) العسل هي حفصة [2] ، و قيل أيضاً أنها أم سلمة [3]. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ | شبكة بينونة للعلوم الشرعية. لكنه مهما إختلفت الأقوال في بعض جوانب قصة نزول هذه الآيات فهي متفقة في أن عائشة و حفصة هما المتظاهرتان على رسول الله ( صلى الله عليه و آله) [4] ، و هذا هو ما تؤكده الأحاديث المروية عن عائشة في أكثر من حديث في كل من صحيحي البخاري و مسلم بألفاظ مختلفة ، كقولها: " فَقُلْتُ أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ... " أو قولها: " فَتَوَاطَيْتُ ـ فَتَوَاطَأَتْ ـ أَنَا وَحَفْصَةُ... " أو قولها: " فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ... ".
- فصل: إعراب الآية رقم (6):|نداء الإيمان
- الأساليب القرآنية في عتاب رسول الله ﷺ (1) - إسلام أون لاين
- يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ | شبكة بينونة للعلوم الشرعية
فصل: إعراب الآية رقم (6):|نداء الإيمان
الإعراب: (لا) ناهية جازمة (اليوم) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (تعتذروا)، (إنّما) كافّة ومكفوفة، والواو في (تجزون) نائب الفاعل (ما) حرف مصدريّ.. والمصدر المؤوّل (ما كنتم... ) في محلّ نصب مفعول به بحذف مضاف أي جزاء ما كنتم.. وجملة: (كفروا) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين). وجملة: (لا تعتذروا) لا محلّ لها جواب النداء. وجملة: (تجزون) لا محلّ لها استئناف بيانيّ. يا ايها النبي لما تحرم ما احل الله لك. وجملة: (كنتم تعملون) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي (ما). وجملة: (تعملون) في محلّ نصب خبر كنتم.. إعراب الآية رقم (8): {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)}. الإعراب: (إلى اللَّه) متعلّق ب (توبوا)، (أن) حرف مصدريّ ونصب (عنكم) متعلّق ب (يكفّر) بتضمينه معنى ينزل الواو عاطفة في المواضع الأربعة (يدخلكم) مضارع منصوب معطوف على (يكفّر)، (من تحتها) متعلّق ب (تجري) بحذف مضاف أي من تحت أشجارها، (يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (يدخلكم)، (لا) نافية (الذين) موصول في محلّ نصب معطوف على النبيّ، (معه) ظرف منصوب متعلّق ب (آمنوا)، (بين) ظرف منصوب متعلّق ب (يسعى)، (بأيمانهم) متعلّق بما تعلّق به بين، فهو معطوف عليه (لنا) متعلّق ب (أتمم)، والثاني متعلّق ب (اغفر)، (على كلّ) متعلّق بالخبر (قدير).
الأساليب القرآنية في عتاب رسول الله ﷺ (1) - إسلام أون لاين
فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَ لَنْ أَعُودَ لَهُ فَنَزَلَ: { لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} ـ إِلَى قَوْلِهِ ـ إِنْ تَتُوبَا لِعَائِشَةَ وَ حَفْصَةَ { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا } لِقَوْلِهِ بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا [6]. قول آخر في سبب نزول الآيات:
و قيل إن رسول الله ( صلى الله عليه و آله) قَسَّم الأيام بين نسائه ، فلما كان يوم حفصة قالت يا رسول الله إن لي إلى أبي حاجة فأذَن لي أن أزوره ، فأذن لها ، فلما خرجت أرسل رسول الله ( صلى الله عليه و آله) إلى جاريته مارية القبطية ، و كان قد أهداها له المقوقس فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها ، فأتت حفصة فوجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول الله ( صلى الله عليه و آله) و وَجهُه يقطر عرقا. فصل: إعراب الآية رقم (6):|نداء الإيمان. فقالت حفصة: إنما أذنت لي من أجل هذا ، أدخَلتَ أمتك بيتي ثم وقعت عليها في يومي و على فراشي! أ ما رأيت لي حرمة و حقاً ؟
فقال ( صلى الله عليه و آله): أ ليس هي جاريتي قد أحل الله ذلك لي ، اسكتي فهي حرام علي ألتمس بذاك رضاك فلا تخبري بهذا امرأة منهن ، و هو عندك أمانة.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ | شبكة بينونة للعلوم الشرعية
هذا و من الواضح أنّ هذا التحريم لم يكن تحريماً شرعيّاً ، بل قَسَماً من قبل الرّسول الكريم ( صلى الله عليه و آله) ، و القسم على ترك بعض المباحات ليس ذنباً كما هو معلوم ، و عليه فقول الله عزَّ ذكره " لِمَ تحرّم "لم يكن توبيخاً و عتاباً ، و إنّما كان من باب الإشفاق و العطف على رسوله المصطفى محمد ( صلى الله عليه و آله). ----------------------------------------
[1] مَغَافِيرَ: صَمْغُ شَجر العُرْفُط كَريهُ الرائحة ، و كان رسول الله ( صلى الله عليه و آله) يكره أن توجد منه رائحة كريهة. يا ايها النبي لما تحرم. [2] صحيح البخاري: كتاب الطلاق ، لم تحرم ما أحل الله لك. [3] بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام)): 22 / 229 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة: 1037 ، و المتوفى بها سنة: 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة: 1414 هجرية. [4] حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ : أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ الْمَرْأَتَانِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَمَا أَتْمَمْتُ كَلَامِي حَتَّى قَالَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1)} [التحريم]
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}: عتاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على تحريمه بعض ما أحل الله له مراعاة لغيرة بعض أزواجه, وسواء كان هذا الذي حرمه صلى الله عليه وسلم في هذا التوقيت هو العسل أو سريته مارية فإن الله قد غفر له وشرع للأمة كفارة للأيمان لرفع الحرج عمن أقسم على شيء ثم وجد عكسه أفضل منه. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1)} [التحريم] قال السعدي في تفسيره: هذا عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، حين حرم على نفسه سريته "مارية" أو شرب العسل، مراعاة لخاطر بعض زوجاته، في قصة معروفة، فأنزل الله هذه الآيات { { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}} أي: يا أيها الذي أنعم الله عليه بالنبوة والوحي والرسالة { لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} من الطيبات، التي أنعم الله بها عليك وعلى أمتك. { { تَبْتَغِيَ}} بذلك التحريم { { مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}} هذا تصريح بأن الله قد غفر لرسوله، ورفع عنه اللوم، ورحمه، وصار ذلك التحريم الصادر منه، سببًا لشرع حكم عام لجميع الأمة.