أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى "واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم " وقوله تعالى " واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا " أي اصبر على أذاهم ولا تبالهم فإنك بمرأى منا وتحت كلاءتنا والله يعصمك من الناس. وقوله تعالى " وسبح بحمد ربك حين تقوم " قال الضحاك أي إلى الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. وقد روي مثله عن الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما وروى مسلم في صحيحه عن عمر أنه كان يقول هذا في ابتداء الصلاة ورواه أحمد وأهل السنن عن أبي سعيد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك.
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا تفسير
الوقفة الثانية: قوله سبحانه: { واصبر لحكم ربك} الأمر بالصبر لحكم الله في الآية يحتمل أن يراد به الصبر على قضاء الله في حمل الرسالة. ويحتمل أن يكون المراد الصبر على البلاء الذي يحصل من جراء تبليغ الرسالة. ويحتمل أن يكون المراد ما حكم به سبحانه وقدره من انتفاء إجابة بعضهم، ومن إبطاء إجابة أكثرهم، وكل هذه المرادات لا تعارض بينها، بل هي متلازمة، ومتعاضدة، وقال: { لحكم ربك} دون أن يقول: واصبر لحكمنا، أو لحكم الله؛ فإن المربوبية تؤذن بالعناية بالمربوب؛ لذلك قال ابن عطية في هذا المقام: "وهذه الآية ينبغي أن يقررها كل مؤمن في نفسه، فإنها تفسح مضايق الدنيا". الوقفة الثالثة: اللام في قوله عز وجل: { لحكم} يجوز أن تكون بمعنى (على) فيكون لتعدية فعل (اصبر) كقوله تعالى: { واصبر على ما يقولون} (المزمل:10). ويجوز أن تكون بمعنى (إلى) أي: اصبر إلى أن يحكم الله بينك وبينهم، فيكون في معنى قوله: { واصبر حتى يحكم الله} (يونس:109). ويجوز أن تكون للتعليل، فيكون { لحكم ربك} هو ما حكم به من إرساله إلى الناس، أي: اصبر لأنك تقوم بما وجب عليك. قال ابن عاشور: "فللام في هذا المكان موقع جامع، لا يفيد غير (اللام) مثله".
واصبر لحكم ربك فانك باعيننا لوحه
وأخرجه البخاري في صحيحه ، وأهل السنن من حديث الوليد بن مسلم ، به. وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( وسبح بحمد ربك حين تقوم) قال: من كل مجلس. وقال الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص: ( وسبح بحمد ربك حين تقوم) قال: إذا أراد الرجل أن يقوم من مجلسه قال: سبحانك اللهم وبحمدك. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ، حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الدمشقي ، حدثنا محمد بن شعيب ، أخبرني طلحة بن عمرو الحضرمي ، عن عطاء بن أبي رباح; أنه حدثه عن قول الله: ( وسبح بحمد ربك حين تقوم) يقول: حين تقوم من كل مجلس ، إن كنت أحسنت ازددت خيرا ، وإن كان غير ذلك كان هذا كفارة له. وقد قال عبد الرزاق في جامعه: أخبرنا معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي عثمان الفقير; أن جبريل علم النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من مجلسه أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك. قال معمر: وسمعت غيره يقول: هذا القول كفارة المجالس وهذا مرسل ، وقد وردت أحاديث مسندة من طرق - يقوي بعضها بعضا - بذلك ، فمن ذلك حديث ابن جريج ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك ".
واصبر لحكم ربك فانك باعيننا تفسير
تعار الرجل من الليل: إذا هب من نومه مع صوت; ومنه عار الظليم يعار عرارا وهو صوته; وبعضهم يقول: عر الظليم يعر عرارا ، كما قالوا زمر النعام يزمر زمارا. وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك الحق والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق اللهم لك أسلمت وعليك توكلت وبك آمنت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وأسررت وأعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا إله غيرك متفق عليه. وعن ابن عباس أيضا أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استيقظ من الليل مسح النوم من وجهه; ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة " آل عمران ". وقال زيد بن أسلم: المعنى حين تقوم من نوم القائلة لصلاة الظهر. قال ابن العربي: أما نوم القائلة فليس فيه أثر وهو ملحق بنوم الليل. وقال الضحاك: إنه التسبيح في الصلاة إذا قام إليها. الماوردي: وفي هذا التسبيح قولان ؛ أحدهما: وهو قوله سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود.
الثاني: أنه التوجه في الصلاة يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. قال ابن العربي: من قال إنه التسبيح للصلاة فهذا أفضله ، والآثار في ذلك كثيرة أعظمها ما ثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال وجهت وجهي الحديث. وقد ذكرناه وغيره في آخر سورة " الأنعام ". وفي البخاري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي; فقال: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.