فمرقوا عليه ، وقالوا له بعد ذلك: ترجع عن هذا القول ، حتى نعود إليك ؟ قال: لا أفعل إلا أن تجيئوا بحجة فيما تقولون أقوى من حجتي. وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته. وقال الحاكم: حدثنا أبو بكر محمد بن أبي الهيثم المطوعي ببخارى ، حدثنا محمد بن يوسف الفربري ، سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أما أفعال العباد فمخلوقة. فقد حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا مروان بن معاوية ، حدثنا أبو مالك ، عن ربعي ، عن حذيفة قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الله يصنع كل صانع وصنعته. وبه قال: وسمعت عبيد الله بن سعيد يقول: سمعت يحيى بن سعيد [ ص: 455] يقول: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة. قال البخاري: حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة. فأما القرآن المتلو ، المبين المثبت في المصاحف ، المسور المكتوب ، الموعى في القلوب ، فهو كلام الله ليس بمخلوق. قال الله تعالى: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم. وقال أبو حامد الأعمشي: رأيت محمد بن إسماعيل في جنازة أبي عثمان سعيد بن مروان ، ومحمد بن يحيى يسأله عن الأسامي والكنى وعلل الحديث ، ويمر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم. فما أتى على هذا شهر حتى قال محمد بن يحيى: ألا من يختلف إلى مجلسه فلا يختلف إلينا ، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ ، ونهيناه ، فلم ينته ، فلا تقربوه ، ومن يقربه فلا يقربنا.
محمد بن يحيى آل صايل
والعلم رزق الله يعطيه من يشاء. فقلت: هذه المسألة التي تحكى عنك ؟ قال: يا بني ، هذه مسألة مشؤومة ، رأيت أحمد بن حنبل ، وما ناله في هذه المسألة ، وجعلت على نفسي أن لا أتكلم فيها. قلت: المسألة هي أن اللفظ مخلوق ، سئل عنها البخاري ، فوقف فيها ، فلما وقف واحتج بأن أفعالنا مخلوقة ، واستدل لذلك ، فهم منه الذهلي أنه يوجه مسألة اللفظ ، فتكلم فيه ، وأخذه بلازم قوله هو وغيره. وقد قال البخاري في الحكاية التي رواها غنجار في " تاريخه ": حدثنا خلف بن محمد بن إسماعيل ، سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر النيسابوري الخفاف ببخارى يقول: كنا يوما عند أبي إسحاق القيسي ، ومعنا محمد بن نصر المروزي ، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري ، فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب ، فإني لم أقله. فقلت له: يا أبا عبد الله ، قد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه. فقال: ليس إلا ما أقول. قال أبو عمرو الخفاف ، فأتيت البخاري ، فناظرته في شيء من الأحاديث حتى طابت نفسه فقلت: يا أبا عبد الله ، هاهنا أحد يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة. فقال: يا أبا عمرو ، احفظ ما أقول لك: من زعم من أهل [ ص: 458] نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب.
محمد بن يحيى الذهلي
وكان قد خرج من بغداد لضيقٍ لحقه فنزل البصرة وفيها توفي. وصفه القفطي بأنه المتفنن في الآداب ومعرفة الأخبار وأيام الخلفاء ومآثر الأشراف وطبقات الشعراء، وأنه أخباري، تعرض لجمع دواوين شرح فيها أشعارها، وذكر الغريب والإعراب في بعض أماكنها فصار بهذا من جملة أئمة الأدب والنحو واللغة. أما أهم الشعراء الذين جمع أشعارهم فهم: أبو نواس وأبو تمام وابن الرومي والبحتري والعباس بن الأحنف وعلي ابن الجهم وابن طباطبا العلوي وإبراهيم بن العباس الصولي وابن عينية وابن شراعة والصنوبري ودعبل الخزاعي وابن المعتز العباسي وخالد بن يزيد الكاتب ومسلم بن الوليد وأبوالشِّيص وغيرهم. وكان الصولي واسع الثقافة، غزير العلم والمعارف، يتمتع بعقلية نقدية حصينة، نصيراً لشعر المحدثين، فقد عاش في القرنين الثالث والرابع، وأرخ لشعر هذا العصر المزدهر، وكان له شعر في المدح والغزل، وغيرذلك، فمن شعره قوله:
وإذا دَنَتْ سبعون من متأمِّـلٍ أغْضَى فلم يَرَ في اللَّذاذة مركضا
وجفاه نومٌ كـان يألف جَفْنَه قِدْماً، وأضحى للحتوف مُعرَّضا
أما أهم كتبه المطبوعة ذات الطبيعة النقدية فهي: «الأوراق»: جمع فيه أخبار آل العباس وأشعارهم، طبع منه قسم أشعار أولاد الخلفاء في القاهرة (1924م).
فضلًا شارك في تحريرها. ع ن ت
هذه بذرة مقالة عن دبلوماسي جزائري بحاجة للتوسيع. ع ن ت