- كانت حياة صهيب مترعة بالمزايا والعظائم، فإن اختيار عمر بن الخطاب إياه ليؤم المسلمين في الصلاة مزية تملأ حياته ألفة وعظمة. فعندما اعتدي على أمير المؤمنين وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر. وعندما أحس نهاية الأجل، فراح يلقي على أصحابه وصيته وكلماته الأخيرة ثم قال: "وليصلّ بالناس صهيب". - لقد اختار عمر يومئذ ستة من الصحابة، ووكل إليهم أمر الخليفة الجديد.. وخليفة المسلمين هو الذي يؤمهم في الصلاة، ففي الأيام الشاغرة بين وفاة أمير المؤمنين، واختيار الخليفة الجديد، يختار من يؤم المسلمين في الصلاة..
إن عمر وخاصة في تلك اللحظات التي تأخذ فيها روحه الطاهرة طريقها إلى الله ليتأنى ألف مرة قبل أن يختار.. فإذا اختار، فلا أحد هناك أوفر حظًّا ممن يقع عليه الاختيار..
ولقد اختار عمر صهيبًا.. اختاره ليكون إمام المسلمين في الصلاة حتى ينهض الخليفة الجديد بأعباء مهمته.. اختاره وهو يعلم أن في لسانه عجمة، فكان هذا الاختيار من تمام نعمة الله على عبده الصالح صهيب بن سنان. بعض ما روى صهيب الرومي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي r قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة, قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم, فيقولون: ألم تبيض وجوهنا, ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار, قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم U".
- من هو صهيب بن سنان
- من هو الصحابي الجليل صهيب بن سنان ؟
- عن صهيب بن سنان عجبا لامر المؤمن
من هو صهيب بن سنان
شرح حديث صهيب بن سنان: عجبًا لأمر المؤمن
عَنْ أَبِي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤمنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» [1] ؛ رواه مسلم. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
قال المؤلف رحمه الله فيما نقله عن صهيب الرومي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤمنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ»؛ أي: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أظهر العجب على وجه الاستحسان. «لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ»؛ أي: لشأنه؛ فإن شأنه كله خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن. ثم فصَّل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأمر الخير، فقال: «إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»؛ هذه حال المؤمن، وكل إنسان، فإنه في قضاء الله وقدره بين أمرين:
إمَّا سرَّاء، وإمَّا ضرَّاء، والناس في هذه الإصابة - السرَّاء والضرَّاء - ينقسمون إلى قسمين:
مؤمن، وغير مؤمن؛ فالمؤمن على كل حال ما قدَّر الله له فهو خير له، إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله، وانتظر الفرج من الله، واحتسب الأجر على الله؛ فكان ذلك خيرًا له، فنال بهذا أجر الصائمين.
من هو الصحابي الجليل صهيب بن سنان ؟
اسمه وكنيته وأسرته: صهيب بن سنان بن مالك، ويقال: خالد بن عبد عمرو بن عقيل، ويقال: طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط النمري. أبو يحيى. وأمه: من بني مالك بن عمرو بن تميم. وهو الرومي. قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيراً. قال بن سعد: وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى، وكانت منازلهم على دجلة من جهة الموصل، فنشأ صهيب بالروم فصار ألكن، ثم اشتراه رجل من كلب فباعه بمكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان التميمي فأعتقه. صفته وبعض فضائله: روى ابن سعد أنه أسلم هو وعمار، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم. وكان من كبار السابقين البدريين.. وكان فاضلاً، وافر الحرمة، وكان موصوفاً بالكرم والسماحة - رضي الله عنه -. ونقل البغوي أنه كان أحمر شديد الصهوبة تشوبها حمرة، وكان كثير شعر الرأس، يخضب بالحناء، وكان من المستضعفين ممن يعذب في الله، وهاجر إلى المدينة مع علي بن أبي طالب في آخر من هاجر في تلك السنة، فقدما في نصف ربيع الأول، وشهد بدراً، والمشاهد بعدها. وعنه قال صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبعث. ويقال: إنه لما هاجر، تبعه نفر من المشركين، فسئل فقال: يا معشر قريش إني من أرماكم، ولا تصلون إليَّ حتى أرميكم بكل سهم معي، ثم أضربكم بسيفي، فإن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه، فرضوا، فعاهدهم ودلهم، فرجعوا فأخذوا ماله، فلما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ( ربح البيع).
عن صهيب بن سنان عجبا لامر المؤمن
فدلهم على ماله وانطلق إلى المدينة، فأدرك الرسول r في قباء, ولم يكد يراه الرسول r حتى ناداه متهللاً: "ربح البيع أبا يحيى.. ربح البيع أبا يحيى"، فقال: يا رسول الله، ما سبقني إليك أحدٌ، وما أخبرك إلا جبريل. فنزل فيه قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207]. - وروى ابن عيينة في تفسيره وابن سعد من طريق منصور، عن مجاهد أول من أظهر إسلامه سبعة فذكره فيهم، وروى ابن سعد من طريق عمر بن الحكم قال: كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول، وكذا صهيب وأبو فائد, وعامر بن فهيرة وقوم, وفيهم نزلت هذه الآية: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} [النحل: 110]. أهم ملامح شحصية صهيب الرومي:
الجود والإنفاق
كان صهيبًا جوادًا كريم العطاء, ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل الله, يعين المحتاج ويغيث المكروب, ويطعم الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا, حتى أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر بن الخطاب t فقال: "أراك تطعم كثيرًا حتى أنك تسرف", فأجابه صهيب: لقد سمعت رسول الله r يقول: "خياركم من أطعم الطعام ورد السلام", فذلك الذي يحملني على أن أطعم الطعام.
وعَنِ الحَسَنِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صُهَيْبٌ سَابِقُ الرُّوْمِ). قَالَ مُجَاهِدٌ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الإِسْلاَمَ سَبْعَةٌ: رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَبِلاَلٌ، وَخَبَّابٌ، وَصُهَيْبٌ…إلخ. كَانَ صُهَيْبٌ يُعَذَّبُ، وكان ممن ألْبسوا أَدْرَاعَ الحَدِيْدِ، وَصهروا فِي الشَّمْسِ. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِيْ نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ.. } [البَقَرَةُ: 207] نَزَلَتْ فِي صُهَيْبٍ، وَنَفَرٍ مِنَ أَصْحَابِهِ، أَخَذَهُم أَهْلُ مَكَّةَ يُعَذِّبُوْنَهُم؛ لِيَرُدُّوْهُمْ إِلَى الشِّرْكِ. هجرته إلى المدينة:
وعَنْ أَبِي عُثْمَانَ: أَنَّ صُهَيْباً حِيْنَ أَرَادَ الهِجْرَةَ، قَالَ لَهُ أَهْلُ مَكَّةَ: أَتَيْتَنَا صُعْلُوْكاً حَقِيْراً، فَتَغَيَّرَ حَالُكَ! قَالَ: أَرَأَيْتُم إِنْ تَرَكْتُ مَالِي، أَمُخَلُّوْنَ أَنْتُم سَبِيْلِي؟
قَالُوا: نَعَمْ. فَخَلَعَ لَهُمْ مَالَهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (رَبِحَ صُهَيْبٌ! رَبِحَ صُهَيْبٌ! ). وورد أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قَالَ: (يَا أَبَا يَحْيَى، رَبِحَ البَيْعُ) ثَلاَثًا.