سيدنا عمر بن الخطاب كان رجلاً معروفاً عنه القوة والشدة والعدل والبأس ولا تأخذه في الحق لومة لائم حتى ولو كان ذلك على نفسه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الله بنصرة الإسلام بأحد العمرين. وهو والد أم المؤمنين حفصة. عرض سيدنا عمر بن الخطاب ابنته حفصة للزواج على سيدنا عثمان بن عفان وقال بعد يوم لا أريد الزواج الآن. ثم عرض الأمر على سيدنا أبو بكر. فلم يتكلم ومضى. فحزن سيدنا عمر بن الخطاب وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحزن يا عمر فإن الله سيزوج عثمان من هي خير له من حفصة.. وستتزوج حفصة من هو خير لها من أبو بكر. " فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم. من قائل نبأني العليم الخبير. وسيدنا أبو بكر لم يتكلم واعلم سيدنا عمر أنه ما كان يمانع ولكنه كان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في أمرها ويريد أن يتزوجها. وما أراد أن يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعاشت أم المؤمنين حفصة وكانت صوامة وقوامة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها لما أفشت سره للسيدة عائشة فلما نبأها الرسول صلى الله عليه وسلم قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير. ورُوي أنه لما طلقها بلغ ذلك عمر فوضع التراب على رأسه، وجعل يقول: ما يعبأ الله بعمر وابنته.
من القائل نبأني العليم الخبير ؟ * نقطة واحدة
إنَّ المربّي الحكيم، يلجأُ إلى هذا المنهج القائم على الإعراض عن بعضٍ، وإظهار بعض، عندما تدعو إليه الحاجة إلى الإصلاح وتقتضيه، وأمَّا في بعض الأحوال، فالحكمة تقتضي أن يتغافل وليُّ الأمر، ولا يظهر شيئًا، ليس بدافع البرود وعدم المبالاة، بل لداعية الحكمة وبعد النَّظر، فهو سيتغافلُ في هذه اللحظة، لكي يواجه الأمر بوسائل وأساليب أخرى، تكون أكثر تأثيرًا، وأعرفُ بعض الأزواج، إذا دخل بيته وشعر أنَّ في البيت شيئًا لا يرضاه؛ تقهقر إلى الوراء، وأشعر أولاده أنَّه داخلٌ، ولذلك قال الحسن رحمه الله: "ما استقصى كريمٌ قطُّ". إنَّ تغافلَ الزوج عن بعض ما تأتيه الزَّوجةُ، أو تغافلُ الزَّوجة عن بعض ما يأتيه زوجها، أو تغافلهما معًا أو أحدهما عن بعض انحرافاتِ أولادهما، بحيث لا يُخل بالواجب الشّرعي أمرٌ حميدٌ في كثير من الأحيان، وأمّا إذا اقتضى الواجب الشرعي تنبيهًا؛ فإنّه يُقتصر على ما يحقق المطلوب، ويُزيل المخالفة دون توسُّع؛ لأنَّ المراد هو تحقيق الاستقرار والاستقامة على دين الله، لا جرح النفوس وإذلالها! وكثير من النّاس تكفيه الإشارة، وكم تغافل كثيرٌ من الأزواج عن أخطاء زوجاتهم، فعاشوا معهنَّ باستقرار، وقد أخرج أبو داود، عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْأَمِيرَ إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ)، قَالَ الْمَنَاوِيُّ: (وَمَقْصُود الْحَدِيث: حَثُّ الْإِمَامِ عَلَى التَّغَافُل، وَعَدَمِ تَتَبُّع الْعَوْرَات).
من قائل نبأني العليم الخبير
وفي قوله تعالى: ﴿إِن تَتُوبَاۤ إِلَى ٱللَّهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا﴾، إشارةٌ أخرى، وهي التَّنبيه اللَّطيف إلى أنَّ الأصل هو أن يميل القلب ويصغو إلى جهة التَّقوى؛ فينعكس ذلك على تصرّفات الزوجين، وحسن تعاملهما.
قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير
القاعدة العِشرون: التَّغافل مطلوب
قال الله تعالى: {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التحريم:3]. هذه القاعدة، وردت في سياق الحادثة التي تناولتها سورة التَّحريم، وذلك في قول الله تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:3]! قال كثيرٌ من المفسّرين، أنَّ هذا السِّياق يتعلَّقُ بأمِّ المؤمنين حفصةَ رضي الله عنها، لما (أسرَّ لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حديثًا، وأمر أن لا تُخبر بهِ أحدًا، فحدَّثت به عائشةَ رضي الله عنها، وأخبره اللهُ بذلك الخبرِ الَّذي أذاعته، فعرَّفها صلى الله عليه وسلم، ببعضِ ما قالت، وأعرضَ عن بعضه، كرمًا منه صلى الله عليه وسلم، وحِلمًا).
د. فهد بن أحمد النغيمش
إن مما جرى به القدر أن لا يسلم أحد من الزلل أو الخطأ وكلنا ذاك البشر، فلربما اطلع أحدنا على عورة أو غفلة، أو هفوة أو زلة. لذا كان من شيم الكرام، وآداب أهل الإسلام التغافل عن الزلات، والتغاضي عن الهفوات. القاعدة العاشرة: تفقَّد قلبك وحاذر أن يميل | موقع المسلم. ذلكم الخلق الرفيع، والأدب الجم، الذي لا يتحلى به إلا أهل المروءات، ولا يتصف به إلا أولو الشرف والمكرمات. هذا رسول الله سيد الكرام، عليه الصلاة والسلام يستودع بعض أزواجه سرًا من أسراره فما مكثت حتى أذاعته لبعض صويحباتها فنزل عليه وحي السماء، وأخبره جبريل عليه السلام فما عنف ولا أساء، ولكن عرفها ببعضه وأعرض عن بعضه كأنه لا يدري.. (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ). البعض اليوم يفتش عن الزلات صغيرها وكبيرها، ويعاتب على الهفوات جليلها وحقيرها. تجد البعض يراجع تغريدة من التغريدات أو حديثاً يحتمل أكثر من معنى لأجل أن يغنم بزلة لسان أو هفوة عابرة:
وَمَنْ لَمْ يُغْمِضْ عَيْنَهُ عَنْ صديقِهِ
وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ
وَمَنْ يَتَتبَعْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ يَجِدْهَا
وَلا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ
قال علي رضي الله عنه: (من لم يتغافل تنغصت عيشته).
القاعدة العاشرة: تفقَّد قلبك وحاذر أن يميل
قال الله سبحانه: ﴿فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا﴾ [التَّحريم].