[ ص: 127] أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى أعنده علم الغيب فهو يرى. الفاء لتفريع الاستفهام التعجيبي على قوله ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى إذ كان حال هذا الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى جهلا بأن للإنسان ما سعى ، وقد حصل في وقت نزول الآية المتقدمة أو قبلها حادث أنبأ عن سوء الفهم لمراد الله من عباده مع أنه واضح لمن صرف حق فهمه. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة النجم - الآية 33. ففرع على ذلك كله تعجيب من انحراف أفهامهم. فالذي تولى وأعطى قليلا هو هنا ليس فريقا مثل الذي عناه قوله فأعرض عن من تولى عن ذكرنا بل هو شخص بعينه. واتفق المفسرون والرواة على أن المراد به هنا معين ، ولعل ذلك وجه التعبير عنه بلفظ ( الذي) دون كلمة من ؛ لأن ( الذي) أظهر في الإطلاق على الواحد المعين دون لفظ ( من).
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة النجم - الآية 33
** ورد عند القرطبي قوله تعالى: "أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى" (*) قال مجاهد وابن زيد ومقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكان قد أتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيره بعض المشركين ، وقال: لم تركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار ؟ قال: إني خشيت عذاب الله ؛ فضمن له إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ، فأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ثم بخل ومنعه فانزل الله تعالى هذه الآية. (*) وقال مقاتل: كان الوليد مدح القرآن ثم أمسك عنه فنزل: "وَأَعْطَى قَلِيلاً" أي من الخير بلسانه "وَأَكْدَى" أي قطع ذلك وأمسك عنه. وعنه أنه أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد الإيمان ثم تولى فنزلت: "أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى" الآية. (*) وقال ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب ابن شريك: نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يتصدق وينفق في الخير ، فقال له أخوه من الرضاعة عبدالله بن أبي سرح: ما هذا الذي تصنع ؟ يوشك ألا يبقى لك شيء. فقال عثمان: إن لي ذنوبا وخطايا ، وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوه!
وقد بينا تأويل ذلك باختلاف أهل العلم فيه فيما مضى قبل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال: ثنا أبو مالك الجنبي قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي مالك الغفاري في قوله ( ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) إلى قوله ( من النذر الأولى) قال: هذا في صحف إبراهيم وموسى. وإنما عنى بقوله ( ألا تزر وازرة وزر أخرى) الذي ضمن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة ، يقول: ألم يخبر قائل هذا القول ، وضامن هذا الضمان بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب: أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) يقول جل ثناؤه: أو لم ينبأ أنه لا يجازى عامل إلا بعمله ، خيرا كان ذلك أو شرا. كما حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) ، وقرأ ( إن سعيكم لشتى) قال: أعمالكم. وذكر عن ابن عباس أنه قال: هذه الآية منسوخة. حدثني علي قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن [ ص: 547] ابن عباس قوله ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) قال: فأنزل الله بعد هذا ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) فأدخل الأبناء بصلاح الآباء الجنة.