التفسير الوسيط لطنطاوى
قال الجمل: وفى هذه الآية لطيفة وهى أن الشيطان يخوف الرجل أولا بالفقر ثم يتوصل بهذا التجويف إلى أن يأمره بالفحشاء وهو البخل، وذلك لأن البخل صفة مذمومة عند كل أحد فلا يستطيع الشيطان أن يحسن له البخل إلا بتلك المقدمة وهى التخويف من الفقر فلهذا قال. { الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشاء}. ان الشيطان يعدكم الفقر. وروى الترمذى عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة - أى همة وخطرة تقع فى القلب - فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ { الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء} ". هذا ما يعده الشيطان للإِنسان، فما الذى يعده الله - تعالى - لعباده؟ لقد بين - سبحانه - ذلك فقال: { والله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. أي: إذا كان الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، فالله - تعالى - يعدكم مغفرة منه لذنوبكم على ما تنفقونه من أموالكم فى سبيله ففى الحديث الشريف " الصدقة تطفئ الخطيئة " ويعدكم - أيضاً - { وَفَضْلاً} أى نماء وزيادة فى أموالكم، فإن الصدقات تزيد البركة فى البرزق فيصير القليل منه فى يد السخى كثيراً بتوفيق الله وتأييده.
- تفسير: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم)
- إسلام ويب - تفسير المنار - سورة البقرة - تفسير قوله تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا - الجزء رقم2
تفسير: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم)
لأن الحساب دون حرية محض هراء.
إسلام ويب - تفسير المنار - سورة البقرة - تفسير قوله تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا - الجزء رقم2
فسر الأستاذ الحكمة هنا بالعلم الصحيح يكون صفة محكمة في النفس حاكمة [ ص: 64] على الإرادة توجهها إلى العمل ، ومتى كان العمل صادرا عن العلم الصحيح كان هو العمل الصالح النافع المؤدي إلى السعادة. تفسير: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم). وكم من محصل لصور كثيرة من المعلومات خازن لها في دماغه ليعرضها في أوقات معلومة لا تفيده هذه الصور التي تسمى علما في التمييز بين الحقائق والأوهام ، ولا في التزييل بين الوسوسة والإلهام; لأنها لم تتمكن في النفس تمكنا يجعل لها سلطانا على الإرادة ، وإنما هي تصورات وخيالات تغيب عند العمل ، وتحضر عند المراء والجدل. قال الأستاذ الإمام ما معناه: والمراد بإيتائه الحكمة من يشاء - إعطاؤه آلتها العقل كاملة مع توفيقه لحسن استعمال هذه الآلة في تحصيل العلوم الصحيحة; فالعقل هو الميزان القسط الذي توزن به الخواطر والمدركات ، ويميز بين أنواع التصورات والتصديقات ، فمتى رجحت فيه كفة الحقائق طاشت كفة الأوهام ، وسهل التمييز بين الوسوسة والإلهام. أقول: وهذا القول يتفق مع ما روي عن ابن عباس من " أن الحكمة هي الفقه في القرآن " أي معرفة ما فيه من الهدى ، والأحكام بعللها وحكمها; لأن هذا الفقه هو أجل الحقائق المؤثرة في النفس الماحية لما يعرض لها من الوساوس حتى لا تكون مانعة من العمل الصالح.
وفي هذه الآية لطيفة وهي أن الشيطان يعدك الفقر في غد دنياك ، والرحمن يعدك المغفرة في غد عقباك ، ووعد الرحمن في غد العقبى أولى بالقبول من وجوه:
أحدها: أن وجدان غد الدنيا مشكوك فيه ، ووجدان غد العقبى متيقن مقطوع به. وثانيها: أن بتقدير وجدان غد الدنيا ، فقد يبقى المال المبخول به وقد لا يبقى ، وعند وجدان غد العقبى لا بد من وجدان المغفرة الموعود بها من عند الله تعالى ؛ لأنه الصادق الذي يمتنع وجود الكذب في كلامه. إسلام ويب - تفسير المنار - سورة البقرة - تفسير قوله تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا - الجزء رقم2. وثالثها: أن بتقدير بقاء المال المبخول به في غد الدنيا ، فقد يتمكن الإنسان من الانتفاع به وقد لا يتمكن إما بسبب خوف أو مرض أو اشتغال بمهم آخر ، وعند وجدان غد العقبى الانتفاع حاصل بمغفرة الله وفضله وإحسانه. ورابعها: أن بتقدير حصول الانتفاع بالمال المبخول به غد الدنيا لا شك أن ذلك الانتفاع ينقطع ولا يبقى ، وأما الانتفاع بمغفرة الله وفضله وإحسانه فهو الباقي الذي لا ينقطع ولا يزول. وخامسها: أن الانتفاع بلذات الدنيا مشوب بالمضار ، فلا ترى شيئا من اللذات إلا ويكون سببا للمحنة من ألف وجه بخلاف منافع الآخرة فإنها خالصة عن الشوائب ، ومن تأمل فيما ذكرناه علم أن الانقياد لوعد الرحمن بالفضل والمغفرة أولى من الانقياد لوعد الشيطان.