و كانت خالته خديجة بنت خويلد زوج محمد بن عبد الله – صلى الله عليه و سلم – تنزله من نفسها منزلة الولد من أمه، و تفسح له في قلبها و بيتها مكانا مرموقا ينزل فيه على الرحب و الحب. و لم يكن حب محمد بن عبد الله لأبي العاص بأقل من حب خديجة له ولا أدنى. و مرت الأعوام سراعا خفافا على بيت محمد بن عبد الله، فشبت زينب كبرى بناته، و تفتحت كما تتفتح زهرة فواحة الشذى بهية الرواء. فطمحت إليها نفوس أبناء السادة البهاليل من أشراف مكة...
و كيف لا؟!!... و هي من أعرق بنات قريش حسبا و نسبا، و أكرمهن أما و أبا، و أزكاهن خلقا و أدبا. و لكن أنى لهم أن يظفروا بها؟!... و قد حال دونهم و دونها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع فتى فتيان مكة!! لم يمض على اقتران زينب بنت محمد بأبي العاص إلا سنوات معدودات حتى أشرقت بطاح مكة بالنور الإلهي الأسنى، و بعث الله نبيه محمدا – صلى الله عليه و سلم – بدين الهدى و الحق، و أمره بأن ينذر عشيرته الأقربين، فكان أول من آمن به من النساء زوجته خديجة بنت خويلد، و بناته زينب، و رقية، و أم كلثوم، و فاطمة، على الرغم من أن فاطمة كانت صغيرة آنذاك. غير أن صهره أبا العاص، كره أن يفارق دين آبائه و أجداده، و أبى أن يدخل فيما دخلت فيه زوجته زينب، على الرغم من أنه كان يصفيها بصافي الحب، و يمحضها من محض الوداد.
- أبو العاص بن الربيع
- أمامة بنت أبي العاص بن الربيع - ويكيبيديا
أبو العاص بن الربيع
إسلامه
أقام أبو العاص في مكة بعد فراق زوجته زمناً، حتى إذا كان قبيل الفتح بقليل، خرج إلى الشام في تجارة له، فلما قفل راجعا إلى مكة ومعه بعيره التي بلغت مئة بعير، ورجاله الذين نيفوا على مئة وسبعين رجلا، برزت له سرية من سرايا الرسول صلوات الله وسلامه عليه قريبا من المدينة، فأخذت العير وأسرت الرجال، ولكن أبا العاص أفلت منها فلم تظفر به. فلما أرخى الليل سدوله واستتر أبو العاص بجنح الظلام، ودخل المدينة خائفاً يترقب، ومضى حتى وصل إلى زينب، واستجار بها فأجارته. و لما خرج الرسول صلوات الله وسلامه عليه لصلاة الفجر، واستوى قائما في المحراب، وكبر للإحرام وكبر الناس بتكبيره، صرخت زينب من صفة النساء وقالت:
"أيها الناس، أنا زينب بنت محمد، وقد أجرت أبا العاص فأجيروه. فلما سلم النبي – – من الصلاة، التفت إلى الناس وقال: « هل سمعتم ما سمعت؟! » قالوا: نعم يا رسول الله. قال: « و الذي نفسي بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتموه، وإنه يجير من المسلمين أدناهم » ، ثم انصرف إلى بيته وقال لابنته: « أكرمي مثوى أبي العاص، واعلمي أنك لا تحلين له ». ثم دعا رجال السرية التي أخذت العير وأسرت الرجال وقال لهم: « إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أخذتم ماله، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، كان ما نحب، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم، وأنتم به أحق ».
أمامة بنت أبي العاص بن الربيع - ويكيبيديا
و مشوا إلى أبي العاص و قالوا له: "فارق صاحبتك يا أبا العاص، و ردها إلى بيت أبيها، و نحن نزوجك أي امرأة تشاء من كرائم عقيلات قريش. " فقال: "لا والله إني لا أفارق صاحبتي، و ما أحب أن لي بها نساء الدنيا جميعا أما ابنتاه رقية و أم كلثوم فقد طلقتا و حملتا إلى بيته، فسر الرسول صلوات الله عليه بردهما إليه، و تمنى أن لو فعل أبو العاص كما فعل صاحباه، غير أنه ما كان يملك من القوة ما يرغمه به على ذلك، و لم يكن قد شرع بعد تحريم زواج المؤمنة من المشرك. و لما هاجر الرسول صلوات الله و سلامه عليه إلى المدينة، و اشتد أمره فيها، و خرجت قريش لقتاله في "بدر" اضطر أبو العاص للخروج معهم اضطرارا إذ لم تكن به رغبة في قتال المسلمين، ولا أرب في النيل منهم، و لكن منزلته في قومه حملته على مسايرتهم حملا... وقد انجلت "بدر" عن هزيمة منكرة لقريش أذلت معاطس الشرك، و قصمت ظهور طواغيته، ففريق قتل، و فريق أسر، و فريق نجاه الفرار. و كان في زمرة الأسرى أبو العاص زوج زينب بنت محمد صلوات الله و سلامه عليه. فرض النبي عليه الصلاة و السلام على الأسرى فدية يفتدون بها أنفسهم من الأسر، و جعلها تتراوح بين ألف درهم و أربعة آلاف حسب منزلة الأسير في قومه و غناه و طفقت الرسل تروح و تغدو بين مكة و المدينة حاملة من الأموال ما تفتدي به أسراها.
27 شوال 1428 ( 08-11-2007)
بسم الله الرحمن الرحيم
اسمه ولقبه:
أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي العبشمي، صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، زوج بنته زينب، وهو والد أمامة التي كان يحملها النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته، واسمه: لقيط، وقيل: اسم أبيه ربيعة، وهو ابن أخت أم المؤمنين خديجة. أمه هي هالة بنت خويلد، وكان أبو العاص يدعى جرو البطحاء. بعض صفاته وإسلامه:
كان قبل البعثة فيما قاله الزبير عن عمه مصعب وزعمه بعض أهل العلم مواخياً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان يكثر غشاءه في منزله، وزوجه ابنته زينب أكبر بناته، وهي من خالته خديجة. وقد أسلم قبل الحديبية بخمسة أشهر، وقال بن إسحاق: كان من رجال مكة المعدودين مالاً وأمانة وتجارة. وفي المغازي لابن إسحاق عن عائشة قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لها رقة شديدة، وقال للمسلمين: ( إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها قلادتها فافعلوا). وأنه شهد بدرا مع المشركين، وأسر فيمن أسر، ففادته زينب، فاشترط عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرسلها إلى المدينة، ففعل ذلك، ثم قدم في عير لقريش، فأسره المسلمون، وأخذوا ما معه، فأجارته زينب، فرجع إلى مكة، فأدى الودائع إلى أهلها ثم هاجر إلى المدينة مسلماً، فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه ابنته.