آخر تحديث مارس 17, 2015 محمد علي العابد (1867 – 1939) هو أول رئيس للجمهورية السورية بين 11 يونيو 1932 و21 ديسمبر 1936، وثامن حاكم منذ سقوط سوريا العثمانية، كما أنه أول حاكم لسوريا يتم انتخابه ولا يتم تعيينه. كان العابد يمثل عند انتخابه "الأرستقراطية الدمشقية والمتقدمة في العمر، إذ كان يبلغ عند انتخابه، في السبعين من عمره". [1] درس العابد في دمشق التي غادرها طفلاً وفي بيروت واسطنبول وباريس، وعمل في وزارة الخارجية العثمانية وعيّن سفيرًا في الولايات المتحدة، وبعد خلع عبد الحميد الثاني لم يعد وعائلته إلى الدولة العثمانية مطلقًا بل تنقلت العائلة في أرجاء أوروبا، حتى نهاية الحرب العالمية الأولى فاستقرّ العابد في مصر قبل أن يعود إلى دمشق بعد بدأ الانتداب. في سياسته كان العابد محايدًا ذو علاقات جيدة مع موالي الانتداب من ناحية ومع الكتلة الوطنية من ناحية ثانية، وهو ما ساهم في وصوله لمقام الرئاسة في 13 يونيو 1932، وكان أول من حمل لقب «رئيس الجمهورية» في سوريا، إذ إن من سبقوه سمّوا رؤساء الدولة لعدم وجود دستور يتبنى النظام الجمهوري. بموجب الدستور فإن ولاية الرئيس تمتد لخمسة سنوات، إلا أنه استقال عام 1936 بداعي السن وتمهيدًا لتدشين حكم الكتلة الوطنية بعد إقرار المعاهدة السورية الفرنسية؛ وقد تتالى خلال رئاسته أربع حكومات.
- محمد علي العابد
محمد علي العابد
بهره الجمال من صباه؛ جمال الشمس والقمر والنهار والليل والروض والصحراء، وجمال
الوجوه التي يلمح عليها الحسن فيطلب عندها الخير. إنما هو الخير على كل حال ما قد طلب
من الجمال، وإنما جمال الله هو الذي قد كان يدعوه إليه، كلما نظر إلى خلق جميل. فكَّرَ في الخلق فآمن بالخالق، واستقر هنالك لا يتقدم ولا يتأخر. فقال: «إن الشيطان
يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله. فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله. فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسوله. »
تلك هي نهاية التفكير التي ينتهي إليها عقل مستقيم خلق لعبادة عامل، وتعليم الناس
عبادة وعملًا، ولم يخلق ليوغل في الفروض ويتقلب بين الشكوك. وإنا لنسأل مع هذا: إلى أين انتهى المفكرون الذين أوغلوا في شكوكهم وتطوحوا بها إلى
قصوى ما تفرضه الفروض؟
إلى أين انتهى «كانت» Kant إمام المفكرين في هذا
الباب بين فلاسفة العصر الحديث، إن لم نقل الحديث والقديم؟
انتهى إلى أن النفس نفسان والوجود وجودان: نفس حسية ونفس حقيقية … ووجود محسوس ووجود
حق هو ذات الوجود. النفس الحقيقية تدرك الوجود الحقيقي عندما ترجع إلى قرارها، ثم لا تتخطى بإدراكها
عالم الباطن إلى عالم المحسوسات التي يتناولها التعبير وتصوير الكلام …
أليس معنى هذا أن إيمان النفس الباطنة أمر لا يتعلق بالبرهان؟ وأن المرجع غاية المرجع
إنما هو الإيمان ولا شيء غير الإيمان؟
بل حتى البرهان الأكبر على وجود الله نعود إليه لنسأله ونسمع منه فماذا يقول؟
يقول لنا إن العدم معدوم فالوجود إذن موجود، وإنك إذا آمنت بالوجود فلا مناص لك من
الإيمان به في صفته المثلى، لأنك تحتاج إلى مقتض لفرض النقص ولا تحتاج إلى مقتض لفرض
الكمال في وجود لا يتطرق إليه العدم.
محمد بن عبد الله كانت فيه هذه الطبائع جميعًا على نحو ظاهر في كل طبيعة: كان عابدًا
ومفكرًا، وقائلًا بليغًا، وعاملًا يغير الدنيا بعمله ولكنه عليه السلام كان عابدًا قبل
كل شيء، ومن أجل العبادة — قبل كل شيء — كان تفكيره وقوله وعمله، وكل سجية فيه. تهيأ للعبادة بميراثه ونشأته وتكوينه فولد في بيت السدانة والتقوى، وتقدمه آباء
يؤمنون بإيمانهم، ويعتقدون ويخلصون فيما اعتقدوه. ونشأ يتيمًا من طفولته فانطوى على نفسه، وتعود التأمل والجد والعزوف عن عبث الصغار،
والنظر إلى ما حوله بعين الناقد المترفع عن الدنايا، الجانح إلى الطهر واستقامة
الضمير. وتكون في بنيته عابدًا من صباه …
قيل إنه في الثانية أو الثالثة من عمره قد أدركته حالة يختلف شراح التاريخ في
تفسيرها، ويرويها من سمعوا بها على روايات مختلفات لا ندري ما هو الواقع الصحيح منها،
ويتعجل بعض المؤرخين الأوروبيين فيحسبها ضربًا من الصرع على غير سند علمي أو تاريخي
محقق يستند إليه. كل ما يمكن أن نجزم به من هذه الحالة أو من غيرها أن محمدًا قد تكون ليتلقى الوحي
الإلهي، وأن لهذا التكوين استعدادًا لا بد أن يلحظ من أوائل صباه، لأن البنية الحية لن
تتهيأ له في أيام ولا في أشهر ولا في سنوات، ولن تستطيعه إلا إذا تمت أهبتها له
والمولود في صلب أبيه، ولا نقول في المهد أو في الرضاع.