مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وقوله: ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) أي: من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة ، فليلزم طاعة الله ، فإنه يحصل له مقصوده; لأن الله مالك الدنيا والآخرة ، وله العزة جميعها ، كما قال تعالى: ( الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) [ النساء: 139]. وقال تعالى: ( ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا) [ يونس: 65] ، وقال: ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) [ المنافقون: 8]. قال مجاهد: ( من كان يريد العزة) بعبادة الأوثان ، ( فإن العزة لله جميعا). وقال قتادة: ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) أي: فليتعزز بطاعة الله عز وجل. وقيل: من كان يريد علم العزة ، لمن هي ، ( فإن العزة لله جميعا) ، حكاه ابن جرير. من كان يريد العزة - ملتقى الخطباء. وقوله: ( إليه يصعد الكلم الطيب) يعني: الذكر والتلاوة والدعاء. قاله غير واحد من السلف.
&Quot;من كان يريد العزة فلله العزة جميعًا&Quot; - جريدة الغد
وفي الحديث القدسي: "يا داود، إني وضعت... العزّ في طاعتي، وهم يطلبونه في خدمة السلطان، فلا يجدونه"9. أمور تطبيقية لتحقيق العزّة بالتقوى طرح الإسلام أموراً عديدة أرشد من خلالها إلى طرق تحقيق العزّة وهي ما يمكن عرضه من خلال عنوانين: الأول: عزة الفرد، والثاني: عزة المجتمع. عزّة الفرد وهي تتحقق من خلال الآتي: 1- كفُّ الأذى عن الناس كثيراً من الأحيان يعرّض الإنسان نفسه للذلّ؛ لأنّه يؤذي الناس، فيؤذونه، ويذلّونه، من هنا فإنّ كفّ الأذى عن الناس يجعل عند الإنسان ممانعة وحصانة وقوة؛ لأنه يُفقد الآخرين مبرّرات إذلاله. "من كان يريد العزة فلله العزة جميعًا" - جريدة الغد. من هنا ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): "شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزّه كفّ الأذى عن الناس"10. 2- ترك القيل والقال كما أنه كثيراً ما يعرّض الإنسان نفسه للذلّ نتيجة أخطاء لسانه، وتناول الناس بشكل سلبي، مما يعرِّضه للمشاكل وبالتالي للمذلّة، من هنا ورد عن الإمام ابي الحسن (عليه السلام): "احفظ لسانك تعزّ"11. وعن الإمام علي (عليه السلام): "... وعزه أي المؤمن- ترك القال والقيل"12. 3- الحلم والعفو حينما يخطئ الآخر كيف ينبغي مواجهته؟ في الكثير من الحالات نلاحظ أن المقابلة بالسوء توجب الشحن والاحتقان، وبالتالي ردّات الفعل السلبية، مما قد يعرّض الإنسان للذلّ، بينما حينما تكون المقابلة بالحلم والمسامحة فإنّ ذلك يوجب تحصن الإنسان وسلامته، ومن هنا ورد في الحديث: "لا عزّ أرفع من الحلم"13.
من كان يريد العزة - ملتقى الخطباء
وتَبْلُغُ الانهزاميةُ في بعضِ النفوسِ مبلغَها حينما تَتَنَكَّرُ لِبَعضِ النصوصِ الشرعية، فتَرُدَّ شيئاً من صَحِيْحِ السُّنةِ، أو تَتَخَبَّطَ في تأويلِ بعض آيات القرآنِ، لِتَبْلُغَ بذلكَ إرضاءَ العدوِّ الساخِر، أو رَدَّ شُبْهةِ المفتونِ المُتآمِر. ولَقَدْ سَطَّرَ سلمانُ الفارسيُ -رضي اللهُ عنهُ- أبْلَغَ درسٍ في العِزَّةِ أمام المستهزئين الساخرين، سَخِروا من تعالِيمِ الدين إذ قال قائلهم لِسلمان: " قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَةَ -يعني آدابَ قضاء الحاجة- فقال له سلمانُ -بِعزةٍ وشموخٍ وافتخار-: أَجَلْ، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أوَ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِاليَمِينَ، أَوْ أَنْ نسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ "(رواه مسلم) أراد أن تكونَ سُخريةً يكسرُ بها قلبَ سلمان، فَكَسَرَه سلمانُ بِعزةٍ وصلابةٍ وإيمان. كذا عَلَّمَهُم القرآن: ( فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 64]، ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)[الجاثية: 18-19].
8- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج68، ص178. 9- المصدر السابق، ج75، ص453. 10- المصدر السابق، ج72، ص52. 11- المصدر السابق، ج68، ص296. 12- المصدر السابق، ج74، ص268. 13- الكليني، الكافي، ج8، 19. 14- الآمالي، الطوسي، ص182. 15- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج75، ص228. 16- الريشهري، ميزان الحكمة، ج3، ص 1960. 17- المصدر نفسه، ص1959. 18- المصدر نفسه، ص1958. 19- سورة النساء، الآية139. 20- نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام)، ج1، ص191.