[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/568-569]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (سورة الفرقان (مكية)
قوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}:
أكثر الناس على أن هذا منسوخ بالأمر بالقتال والقتل، وكان هذا بمكة قبل أن يؤمروا بالقتال. وليس قولهم: سلامًا، من السلام الذي هو التحية، إنما هو من السلام الذي هو التّبرّأ، فالمعنى أنهم كانوا إذا خاطبهم الكفار قالوا: سلامًا منكم، أي: براءةً منكم. فإن قيل: إن لفظ هذا خبر فكيف أجزت فيه النسخ؟
فالجواب: أن هذا ليس من الخبر الذي لا يجوز نسخه، لأنه ليس فيه خبرٌ من الله لنا عن شيء يكون أو شيء كان فنسخ بأنه لا يكون، أو بأنه لم يكن - هذا الذي لا يجوز فيه النسخ - وإنما هذا خبرٌ من الله لنا أن هذا الأمر
كان من فعل هؤلاء الذين هم عباد الرّحمن قبل أن يؤمروا بالقتال، وأعلمنا في موضعٍ آخر نزل بعد فعلهم ذلك، أنه أمر بقتالهم وقتلهم فنسخ الله ما كانوا عليه، ولو أعلمنا الله في موضع آخر عن عباد الله أنهم لم يكونوا يقولون للجاهلين سلامًا، لكان ذلك نسخًا للخبر الأول، وهذا لا يجوز وهو نسخ الخبر بعينه، والله يتعالى عن ذلك. جمهرة العلوم - عرض مشاركة واحدة - سورة الفرقان. فإذا كان الخبر بعينه حكايةً عن فعل قومٍ جاز نسخ ذلك الفعل الذي أخبرنا الله تعالى به عنهم بأن يأمرنا أن لا نفعله، ولا يجوز نسخ الخبر والحكاية بعينها، بأنها لم تكن أو كانت على خلاف ما أخبرنا به أولاً، فاعرف الفرق في ذلك).
خلق عظيم 18 | وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما | د. عبدالرحمن الصاوي - Youtube
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 371-372]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْن ُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): ( ذكر الآية الثّانية: قوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}. قال الحسن في تفسيرها: "لا يجهلون على أحدٍ وإن جهل عليهم حلموا". خلق عظيم 18 | وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما | د. عبدالرحمن الصاوي - YouTube. وهذه الآية محكمةٌ
عند الجمهور. وقد زعم قومٌ: أنّ المراد بها أنّهم يقولون للكفّار، ليس بيننا وبينكم غير السّلام، وليس المراد السّلام الّذي هو التّحيّة، وإنما المراد بالسلام التسلّم، أي: تسلّمًا منكم ومتاركةً لكم، كما يقول: براءةٌ (منك) أي: لا ألتبس بشيءٍ من أمرك ثمّ نسخت بآية السّيف. وهذا باطلٌ، لأنّ اسم الجاهل يعمّ المشرك وغيره، فإذا خاطبهم مشركٌ، قالوا: السّداد والصّواب في الرّدّ عليه. وحسن (المحاورة) في الخطّاب لا ينافي القتال. فلا وجه للنّسخ).
جمهرة العلوم - عرض مشاركة واحدة - سورة الفرقان
قال جلّ وعزّ: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا (63)} قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): ( الآية الثانية: قوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما... } الآية [63 / الفرقان / 25] منسوخة في حق الكفار بآية السيف، وبعض معناها محكم في حق المؤمنين).
تفسير: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) – الحياة العربية
وكلام الحسن وما ذكرته من كلام غيره يدل على أن الآية محكمة. وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. وقول سيبويه الذي قاله فيه نظر؛ لأنه قال: لم يؤمر المسلمون إن يسلموا على المشركين، وهذا ليس بأمر، إنما هو شيء حكاه الله عز وجل، وأثنى عليهم به، فإن قيل: أراد سيبويه رحمه الله: لم يؤمروا أن يسلموا عليهم فكيف يسلمون عليهم؟. قلت: لا يفتقرون في ذلك إلى أمر من الله عز وجل، فقد كانوا يسلمون عليهم: وإن كان "سلام عليكم" أصله الدعاء إلا أنه قد يقوله من لا يريد الدعاء إنما يريد الإحسان والإجمال في المخاطبة، فإن أراد سيبويه هذا فهو حسن، وإن أراد أنهم لم يأتوا بالتسليم مريدين به التبرؤ، فإن ذلك يبطل بقوله عز وجل في سورة القصص حين أثنى على قوم من أهل الكتاب أسلموا: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} الآية [القصص: 55] وهذه الآية أخت تلك، وقد عيب عليه قوله: لا خير بيننا ولا شر. وقال مكي في هذه الآية: إن هذا وإن كان خبرا فهو من الخبر الذي يجوز نسخه، قال: لأنه ليس فيه خبر من الله عز وجل عن شيء يكون أو شيء كان فينسخ بآية لا يكون، أو بآية لم يكن، هذا الذي لا يجوز فيه النسخ، وإنما هذا خبر من الله عز وجل لنا أن هذا الأمر كان من فعل هؤلاء الذين هم عباد الرحمن قبل أن يؤمروا بالقتال، وأعلمنا في موضع آخر نزل بعد فعلهم ذلك أنه أمر بقتالهم وقتلهم، فنسخ ما كانوا عليه، قال: ولو أعلمنا في موضع آخر أنهم لم يكونوا يقولون للجاهلين سلاما لكان هذا نسخا للخبر الأول، وهذا لا يجوز، وهو نسخ الخبر بعينه، والله عز وجل يتعالى عن ذلك.
وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على محمَّد وآله وصحبه أجمعين. والحمد لله ربِّ العالمين. مرحباً بالضيف