قال الزمخشريٌّ: كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهمº لأنه لا يرد على الملوك إلا المكرَّمين لديهم، ولا يُحجب عنهم إلا المبانون عنهم. وقال إبن عاشور: \"جملة: \" إنهم عن ربهم يومئذٍ, لمحجوبون \" وما عطف عليها ابتدائية وقد اشتملت الجملة ومعطوفاها على أنواع ثلاثة من الويل وهي الإهانة، والعذاب، والتقريع مع التأييس من الخلاص من العذاب. فأما الإهانة فحجبُهم عن ربهم، والحجب هو الستر، ويستعمل في المنع من الحضور لدى الملك ولدى سيد القوم، قال الشاعر الذي لم يسمّ وهو من شواهد «الكشاف»: إذا اعتروا باب ذي عُبِّيَّه رجِبوا والناسُ من بين مَرجوب ومَحجوب
وكلا المعنيين مراد هنا لأن المكذبين بيوم الدين لا يرون الله يوم القيامة حين يراه أهل الإيمان. ويوضح هذا المعنى قوله في حكاية أحوال الأبرار: \" على الأرائك ينظرون \". ومن هذا يتضح أن معنى(محجوبون) ممنوعون عن رؤيته - سبحانه وتعالى - وذلك لما يلي:
1. إثبات الحجب عن الله للكفار تنفي الحجب عن المؤمنين... كلا إنهم عن ربهِم يومئذ لمحجوبون. والمؤمن بطبيعة الحال غير محجوب عن الله بمعنى رحمته وهذا يؤكد أن القصد هو إثبات رؤية الله. 2. بما أن الحجب إهانة للكافر ونفيه عن المؤمن تشريف له، وهذا التشريف في الفردوس هو شرف رؤية الله - سبحانه وتعالى -.
كلا إنهم عن ربهِم يومئذ لمحجوبون
وقيل: كلا ردع وزجر ، أي ليس كما يقولون ، بل إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. قال الزجاج: في هذه الآية دليل على أن الله - عز وجل - يرى في القيامة ، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة ، ولا خست منزلة الكفار بأنهم يحجبون. وقال جل ثناؤه: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فأعلم الله - جل ثناؤه - أن المؤمنين ينظرون إليه ، وأعلم أن الكفار محجوبون عنه ، وقال مالك بن أنس في هذه الآية: لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه. وقال الشافعي: لما حجب قوما بالسخط ، دل على أن قوما يرونه بالرضا. ثم قال: أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد لما عبده في الدنيا. وقال الحسين بن الفضل: لما حجبهم في الدنيا عن نور توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته. وقال مجاهد في قوله تعالى: لمحجوبون: أي عن كرامته ورحمته ممنوعون. وقال قتادة: هو أن الله لا ينظر إليهم برحمته ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. وعلى الأول الجمهور ، وأنهم محجوبون عن رؤيته فلا يرونه. ﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يقول هؤلاء المكذّبون بيوم الدين، من أن لهم عند الله زُلْفة، إنهم يومئذ عن ربهم لمحجوبون، فلا يرونه، ولا يرون شيئا من كرامته يصل إليهم.
الآية رقم (15) - كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ قلوبهم مُلِئَت بالمعاصي والذّنوب، وحُجِبَت في الدّنيا عن الطّاعة، فكانت النّتيجة أنّهم حُجِبوا عن ربّهم عزَّ وجل في اليوم الآخر.