وقال تعالى في سورة النحل { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ، فقوله تعالى { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} يعني في عالم البرزخ اي في عالم الأثير, فالمؤمنون لهم حياة طيبة, والكافرون لهم معيشة ضنكا, وقوله { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يعني في القيامة. وقال عزّ وجلّ في سورةالحج { فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} يعني في عالم البرزخ لهم رزق كريم. وقال ايضاً [في نفس السورة] { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} فقوله تعالى { لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ} يعني في عالم البرزخ ، أمّا يوم القيامة فيدخلهم الجنة. تفسير قوله تعالى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وقال عز من قائل في سورة الواقعة { فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ. وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ.
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ | كوكب الفوائد- فلسطين
1
تفسير ابن كثير – (ج 4 / ص 262). تفسير ابن كثير – (ج 7 / ص 505). 3
رواه ابن ماجه والطبراني وابن حبان، وضعفه الألباني.
تفسير قوله تعالى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [يونس:26]. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ | كوكب الفوائد- فلسطين. يُخبر تعالى أنَّ لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصَّالح الْحُسْنَى في الدار الآخرة، كقوله تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60]. وقوله: وَزِيَادَةٌ هي تضعيف ثواب الأعمال: بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، وزيادة على ذلك أيضًا، ويشمل ما يُعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرِّضا عنهم، وما أخفاه لهم من قُرَّة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه: النَّظر إلى وجهه الكريم، فإنَّه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه، لا يستحقّونها بعملهم، بل بفضله ورحمته. وقد رُوي تفسير الزيادة بالنَّظر إلى وجهه الكريم عن أبي بكر الصّديق، وحذيفة بن اليمان، وعبدالله بن عباس، وسعيد بن المسيب، وعبدالرحمن ابن أبي ليلى، وعبدالرحمن بن سابط، ومجاهد، وعكرمة، وعامر بن سعد، وعطاء، والضَّحاك، والحسن، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف والخلف. وقد وردت فيه أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد: حدثنا عفان: أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبدالرحمن ابن أبي ليلى، عن صهيب : أنَّ رسول الله ﷺ تلا هذه الآية: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وقال: إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، وأهلُ النارِ النارَ نادى مُنادٍ: يا أهل الجنة، إنَّ لكم عند الله موعدًا يُريد أن يُنجزكموه.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْحُسْنَى هِيَ: أَنَّ الْحَسَنَةَ بِمِثْلِهَا وَالزِّيَادَةَ هِيَ التضعيف عشرة أمثالها إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحُسْنَى: حَسَنَةٌ مِثْلُ حَسَنَةٍ، وَالزِّيَادَةُ الْمَغْفِرَةُ وَالرِّضْوَانُ. ﴿ وَلا يَرْهَقُ ﴾، لَا يَغْشَى ﴿ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ﴾، غُبَارٌ، جَمْعُ قَتْرَةٍ. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: سَوَادُ الْوَجْهِ، ﴿ وَلا ذِلَّةٌ ﴾، هَوَانٌ قَالَ قَتَادَةُ: كَآبَةٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: هَذَا بُعْدُ نَظَرِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ. ﴿ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ﴾. تفسير القرآن الكريم
قال: فهو لك ووالله ما جاء بي إلى هذه البلدة إلا قتل علي، فتزوجها
ودخل بها ثم شرعت تحرضه على ذلك وندبت له رجلا من قومها، من تيم الرباب يقال له:
وردان، ليكون معه ردءا، واستمال عبد الرحمن بن ملجم رجلا آخر يقال له: شبيب بن
نجدة الأشجعي الحروري قال له ابن ملجم: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟
فقال: وما ذاك: قال؟ قتل علي. فقال: ثكلتك أمك، لقد جئت شيئا إذا كيف تقدر عليه؟
قال: أكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه،
فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا. فقال: ويحك لو غير علي كان أهون عليّ؟ قد عرفت سابقته في الإسلام
وقرابته من رسول الله ، فما أجدني أنشرح صدرا لقتله. فقال: أما تعلم أنه قتل أهل النهروان؟
فقال: بلى. موت علي بن ابي طالب. قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا. فأجابه إلى ذلك بعد لأي ودخل شهر رمضان فواعدهم ابن ملجم ليلة الجمعة
لسبع عشرة ليلة خلت. وقال: هذه الليلة التي واعدت أصحابي فيها أن يثأروا بمعاوية وعمرو بن
العاص فجاء هؤلاء الثلاثة - وهم: ابن ملجم، ووردان، وشبيب، وهم مشتملون على سيوفهم
فجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فلما خرج جعل ينهض الناس من النوم إلى
الصلاة.
وقفة مع حديث وفاة أبي طالب
وقال السهيلي: شهادة العباس لأبي طالب لو أداها بعدما أسلم كانت مقبولة؛ لأن العدل إذا قال سمعت، وقال من هو أعدل منه لم أسمع أخذًا بقول من أثبت السماع، ولكن العباس شهد بذلك قبل أن يسلم. قلت: قد أسلم العباس بعد ذلك، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حال أبي طالب. وقفة مع حديث وفاة أبي طالب. عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: سمعت العباس، يقول: قلت: يا رسول الله، إن أبا طالب كان يحفظك وينصرك فهل نفعه ذاك؟ قال: « نعم وجدته في غمرات من النار، فأخرجته إلى ضحضاح ». صحيح الإسناد مشهور متفق عليه من حديث العباس في الصحيحين. ولو كانت هذه الشهادة عنده لأداها بعد إسلامه، وعلم حال أبي طالب ولم يسأل، والمعتبر حالة الأداء دون التحمل. وفيما ذكره السهيلي أن الحارث بن عبد العزى أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأسلم وحسن إسلامه في خبر ذكره من طريق يونس بن بكير.
وفاة أبي طالب - بوابة السيرة النبوية
ويقول: الصلاة الصلاة فثار إليه شبيب بالسيف فضربه فوقع في الطاق،
فضربه ابن ملجم بالسيف على قرنه فسال دمه على لحيته رضي الله عنه. ولما ضربه ابن ملجم قال: لا حكم إلا لله ليس لك يا علي ولا لأصحابك،
وجعل يتلو قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [ البقرة: 207]. ونادى علي: عليكم به، وهرب وردان فأدركه رجل من حضرموت فقتله، وذهب
شبيب فنجا بنفسه وفات الناس، وُمسك ابن ملجم وقدم على جعدة بن هبيرة بن أبي وهب
فصلى بالناس صلاة الفجر، وحمل علي إلى منزله، وحمل إليه عبد الرحمن بن ملجم فأوقف
بين يديه وهو مكتوف - قبحه الله - فقال له: أي عدو الله ألم أحسن إليك؟
قال: بلى. قال: فما حملك على هذا؟
قال: شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه. وفاة أبي طالب - بوابة السيرة النبوية. فقال له علي: لا أراك إلا مقتولا به، ولا أراك إلا من شر خلق الله. ثم قال: إن مت فاقتلوه وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به. فقال جندب بن عبد الله: يا أمير المؤمنين إن مت نبايع الحسن؟
فقال: لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر. ولما احتضر علي جعل يكثر من قول لا إله إلا الله، لا يتلفظ بغيرها. وقد قيل: إن آخر ما تكلم به: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّا يَرَهُ} [ الزلزلة: 7].
قريش تؤذى النبى بعد موت عمه أبى طالب.. ما يقوله التراث الإسلامى - اليوم السابع
والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي أيضا - اجتمعوا
فتذاكروا قتل علي إخوانهم من أهل النهروان فترحموا عليهم. وقالوا: ماذا نصنع بالبقاء بعدهم؟ كانوا لا يخافون في الله لومة لائم،
فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلال فقتلناهم فأرحنا منهم البلاد وأخذنا منهم ثأر
إخواننا؟
فقال ابن ملجم: أما أنا فأكفيكم علي بن أبي طالب. وقال البرك: وأنا أكفيكم معاوية. وقال عمرو بن بكر: وأنا أكفيكم عمرو بن العاص. فتعاهدوا وتواثقوا أن لا ينكص رجل منهم عن صاحبه حتى يقتله أو يموت
دونه، فأخذوا أسيافهم فسمّوها واتعدوا لسبع عشرة من رمضان أن يبيت كل واحد منهم
صاحبه في بلده الذي هو فيه. فأما ابن ملجم فسار إلى الكوفة فدخلها وكتم أمره حتى عن أصحابه من
الخوارج الذين هم بها، فبينما هو جالس في قوم من بني الرباب يتذاكرون قتلاهم يوم
النهروان إذ أقبلت امرأة منهم يقال: قطام بنت الشجنة. قريش تؤذى النبى بعد موت عمه أبى طالب.. ما يقوله التراث الإسلامى - اليوم السابع. قد قتل علي يوم النهروان أباها وأخاها، وكانت فائقة الجمال مشهورة به،
وكانت قد انقطعت في المسجد الجامع تتعبد فيه. فلما رآها ابن ملجم سلبت عقله ونسي حاجته التي جاء لها، وخطبها إلى
نفسها فاشترطت عليه ثلاثة آلاف درهم وخادما وقينة، وأن يقتل لها علي بن أبي طالب.
ثم رواه عن الحاكم، عن الأصم، عن عباس الدورى، عن يحيى بن معين، حدثنا عقبة المجدر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبى ﷺ. قال: "ما زالت قريش كاعة حتى توفى أبو طالب". وقد روى الحافظ أبو الفرج ابن الجوزى بسنده عن ثعلبة بن صغير، وحكيم بن حزام أنهما قالا: لما توفى أبو طالب وخديجة - وكان بينهما خمسة أيام - اجتمع على رسول الله ﷺ مصيبتان، ولزم بيته وأقل الخروج، ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع فيه، فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال: يا محمد امض لما أردت وما كنت صانعا إذ كان أبو طالب حيا فاصنعه، لا واللات لا يوصل إليك حتى أموت. وسبَّ ابن الغيطلة رسول الله ﷺ فأقبل إليه أبو لهب فنال منه، فولى يصيح يا معشر قريش صبا أبو عتبة، فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبى لهب فقال: ما فارقت دين عبد المطلب، ولكنى أمنع ابن أخى أن يضام حتى يمضى لما يريد. فقالوا: لقد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم، فمكث رسول الله ﷺ كذلك أياما يأتى ويذهب لا يعرض له أحد من قريش، وهابوا أبا لهب إذ جاء عقبة بن أبى معيط وأبو جهل إلى أبى لهب فقالا له: أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟
فقال له أبو لهب: يا محمد أين مدخل عبد المطلب؟
قال: "مع قومه".