ثُمَّ استَعاذَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن بعضِ ما يُصيبُ الإِنسانَ في السَّفرِ، وَمِنها «وَعْثاءُ السَّفرِ»، وهيَ شِدَّتُه ومَشقَّتُه وتَعَبُه، «وكآبةُ المَنظَرِ»، وهيَ تَغيُّرُ الوجهِ كأنَّه مَرضٌ، والنَّفسِ بالانْكسارِ ممَّا يَعرِضُ لها فيما يُحِبُّه ممَّا يُورِثُ الهَمَّ والحُزنَ، وقيلَ: المُرادُ مِنه الاستِعاذةُ مِن كلِّ مَنظرٍ يَعقُبُ الكآبةَ عندَ النَّظرِ إِليهِ، «وسُوءُ المُنقلَبِ»؛ وَذلكَ أنْ يَرجِعَ فَيَرى في أَهلِه وَمالِه ما يَسوؤُه. وفي حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ سَرجِسَ رَضيَ اللهُ عنه -في صَحيحِ مُسلمٍ ومُسنَدِ أحمَدَ- أنَّه كان يَبدأُ بالأهْلِ إذا رجَعَ فيقولُ: «وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ»، بدَلَ «الْمَالِ والْأَهْلِ». وفيه أيضًا: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ استَعاذَ مِنَ الحَوْرِ بعدَ الكَوْرِ، يَعني: مِنَ النُّقصانِ بعدَ الزِّيادةِ وتَغيُّرِ الحالِ مِنَ الطَّاعةِ إلى المَعصيةِ، وتَعوَّذَ أيضًا مِن دَعوةِ المَظلومِ، أي: أَعوذُ بكَ مِنَ الظُّلمِ؛ فإنَّه يَترتَّبُ عَليه دُعاءُ المَظلومِ؛ فإنَّه ليس بينَه وبينَ اللهِ حِجابٌ، كما في الصَّحيحَينِ. سبحان الذي سخر لنا هذا. وَكان إذا رجَعَ قالَ تلكَ الجُمَلَ المَذكورةَ، وقالَ بعدَهنَّ: «آيِبونَ»، أي: نحنُ راجِعونَ مِنَ السَّفرِ بالسَّلامةِ، «تائِبونَ» مِنَ المَعصيةِ إلى الطَّاعةِ، «عابِدونَ، لربِّنا حامِدونَ»، أي: مُثْنونَ عليه تعالَى بصِفاتِ كَمالِه وجَلالِه، وشاكِرونَ له على نِعَمِه وأفْضالِه.
- أن عليًّا - رَضِيَ اللهُ عنه -, أُتِيَ بدابَّةٍ ليَرْكَبَها, فلما وضع رِجْلَه في الرِّكابِ ؛ قال: بسمِ اللهِ, فلما استوى على ظهرِها قال: الحمدُ للهِ, ثم قال: ( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ), ثم قال: الحمدُ للهِ ثلاثًا, واللهُ أكبرُ ثلاثًا, سبحانك أني ظلمتُ نفسي, فاغفِرْ لي ذنوبي, فإنه لا يَغْفِرُ الذنوبَ إلا أنت, ثم ضَحِكَ ؛ فقيل من أيِّ شيءٍ ضَحِكْتَ يا أميرَ المؤمنينَ ؟! قال رأيتُ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – صنع كما صَنَعْتُ, ثم ضَحِكَ, فقلتُ: من أيِّ شيءٍ ضَحِكْتَ يا رسولَ اللهِ ؟! سبحان الذي سخر لنا هذا دعاء السفر. قال إن ربَّك لَيَعْجَبُ من عبدِه إذا قال: ربِّ! اغفِرْ لي ذنوبي, يقولُ اللهُ: عبدي يعلمُ أن الذنوبَ لا يَغْفِرُها أحدٌ غيري.
وفي الحديثِ: بيانٌ لأهمِّيَّةِ استِغْفارِ اللهِ عزَّ وجلَّ. وفيه: فيه إثباتُ صِفةِ العَجَب للهِ عزَّ وجلَّ، وهو عَجبٌ يليقُ بذاتِه وكمالِه وجلالِه سبحانَه، وليس كعجبِ المخلوقين.
ثُمَّ يَقولُ: «سُبحانَ الَّذي سخَّر لَنا هَذا» فَجَعلَه مُنقادًا لَنا، والإشارةُ إلى المركوبِ، «وَما كنَّا له مُقْرِنينَ»، فَما كنَّا نُطيقُ قَهرَه واستِعمالَه لوْلا تَسخيرُ اللهِ سُبحانَه وتعالَى إيَّاه لَنا، «وَإنَّا إِلى ربِّنا لَمُنقلِبونَ»، أي: وإنَّا إلى رَبِّنا من بعدِ مماتِنا لصائرونَ إليه راجِعونَ، فإنَّ الإنْسانَ لَمَّا رَكِبَ مُسافرًا عَلى ما ذَلَّلَه اللهُ له، كأنَّه يَتذكَّرُ السَّفرَ الأَخيرَ مِن هَذه الدُّنيا، وَهوَ سَفرُ الإنْسانِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ إذا ماتَ، وحَمَلتْه النَّاسُ على أَعناقِهم. ثُمَّ بَعدَ ذَلك أَثنَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلى اللهِ ودَعاهُ؛ فقالَ: «اللَّهمَّ إِنَّا نَسْألُكَ في سَفرِنا هَذا البِرَّ والتَّقْوى»، والبِرُّ: هو الْتِزامُ الطَّاعةِ، والتَّقْوى: البُعدُ عنِ المَعصيةِ، فيَمْتثِلُ الأَوامرَ ويَجتنِبُ النَّواهيَ، ثُمَّ سَألَ ربَّه أنْ يَرزُقَه مِنَ العَملِ ما يَرضَى بِه عنْهُ، ثُمَّ سأَلَه تَهوينَ السَّفرِ وهوَ تَيسيرُه، وأنْ يُقرِّبَ لَه مَسافةَ ذَلك السَّفرِ. ثُمَّ أتْبَعَ دُعاءَه بقولِه: «اللَّهُمَّ أَنتَ الصَّاحبُ في السَّفرِ»، يَعني تَصحَبُني في سَفَري، فتُيسِّرُه وتُسهِّلُه عليَّ، «والخَليفةُ في الأَهلِ» مِن بَعْدي، فتَحوطُهم بِرعايتِكَ وعِنايتِكَ؛ فهوَ جلَّ وعَلا معَ الإِنسانِ في سَفرِه، وخَليفتُه في أَهلِه؛ لأنَّه جلَّ وعَلا بكُلِّ شَيءٍ مُحيطٌ.
الراوي:
عبدالله بن عمر
| المحدث:
مسلم
| المصدر:
صحيح مسلم
| الصفحة أو الرقم:
1342
| خلاصة حكم المحدث:
[صحيح]
| التخريج:
من أفراد مسلم على البخاري
السَّفَرُ فيه المَشقَّةُ والعَناءُ، ومِن رَحمةِ اللهِ سُبحانَه أنْ خلَقَ لعِبادِه وممَّا وفَّقَهم لصُنعِه: ما يَركَبونَه في البَحرِ مِنَ السُّفُنِ، وفي البَرِّ مِنَ الإبلِ والخيلِ والسَّيَّاراتِ، وفي الجَوِّ مِنَ الطَّائراتِ، فتَحمِلُهم على ظُهورِها للوُصولِ إلى غاياتِهم بلا عَناءٍ ومَشَقَّةٍ، فإذا استَقَرُّوا عليها تَذكَّروا نِعمةَ اللهِ تعالَى عليهم بتَيسيرِه وتَذليلِه لهم تلك المراكِبَ. وفي هَذا الحَديثِ يُعلِّمُ عبْدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهُما بعضَ أَصْحابِه دُعاءَ السَّفرِ؛ فأخبَرَهم أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا رَكِبَ واستَقرَّ عَلى ظَهرِ بَعيرِه -وهو الجمَلُ، ويدخُلُ فيه كلُّ أنْواعِ الدوابِّ الَّتي تُركَبُ والوَسائلُ الحَديثةُ- خارجًا مِنَ المَدينةِ إِلى سَفرٍ ما، يذكُرُ اللهَ ويَقولُ: «اللهُ أَكبرُ»، ثَلاثَ مرَّاتٍ، وتَكبيرُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ الاسْتِواءِ والارْتفاعِ فوقَ الدابَّةِ استِشْعارٌ لكِبرياءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأنَّه أكبَرُ من كلِّ شيءٍ، فيُكبِّرُه ليَشكُرَ له ذلك، فيَزيدَه من فَضلِه.
عام ١٩٨١، قُتلت زوجة الشاعر السوري الكبير نزار قباني العراقيّة بلقيس الراوي، أثناء تفجيرٍ مروّعٍ دامٍ استهدف السفارة العراقيّة في بيروت، نفّذه حزب الدعوة العراقي. نزار الذي ربحَ قلوب الملايين، خسرَ قلبه مع رحيل امرأة حياته، عندما قرّر حزبٌ تمرّد على وطنه وأعلن ولاءً لدولةٍ عادته، قتْلَها كما العشرات في التفجير، كما الملايين من العراقيين بعد الـ٢٠٠٣. أكتبُ هذا المقال بعد مرور أكثر من ٤٠ عامًا على وقوع هذه المأساة الإنسانيّة، قبل ١١ عامًا من ولادتي. أكتبُ وجعًا أتصوّره خارقًا في وجدان نزار، الذي غزا وجدننا بأبياته الشعريّة الراسخة، التي لم يُرمِها الزمن في سلّته، بل سيخلّدها حتّى آخر أنفاسه. لم أشهدْ تلك الحقبة، بل سمعتُ عنها. كيف أستعجب قسوةَ المجرمين ومنهم لبنانيين، لم يأبهوا قتل العشرات من أشقائهم، لمجرد أن العراقَ آنذاك قرر الدفاع عن البوابة الشرقيّة للعرب، وردع الفرس وأطماعهم التوسعيّة؟! كيف أستعجب إنحلال هؤلاء بالمفهوميْن الأخلاقي والوطني، يجلّلون رموزًا غير عربيّة، ويحملون الأسلحة موجهين إياها إلى صدور أبطال الجيش العراقي؟! التاريخ السوري - السيدة زهرة أقبيق زوجة نزار قباني الأولى ما بين 1946-1952. كثيرون قد لا يصدقون ما أدوّنه الآن، لكنّ المنتمين لحزب الدعوة، الذي أعدم الرئيس الراحل صدام حسين مؤسّسه بسبب خيانته لوطنه، حاربوا العراقيين وقتلوا أفراد جيشهم وقصفوا منازلهم وشرّدوا أطفالهم!
نزار قباني يرثي زوجته بلقيس
- هناك اخطاء تاريخية عديدة، ففي أحد المشاهد يتم تصوير سفر نزار إلى تركيا حيث يذكر السيناريو أنه وصل إلى استانبول، فيما أن العاصمة هي أنقرة ومقر البعثة الدبلوماسية السورية هو العاصمة. وقد بدأ مثلا المسلسل بصوت نزار يقول "ولدت مع الأزهار والربيع" والمشهد يصور هطول مطر ومطر وجدي يحمل مظلة.. ما هذه الفلسفة الإخراجية، اختراع المطر والحديث عن الربيع. - كما برز تشويه لشخصية جدي وآرائه وكيف كان يتعامل مع شعر ابنه حيث يقول لابنه "شعرك شيطاني"، فيما والدي نزار يذكر في سيرته "أبي سألني صحيح كتبت للشعر وعندما أخبرت أمي كان معجبا به". ويذكر السيناريو أن جدي توفيق - والد نزار- يقول عن الرئيس شكري القوتلي إنه شخص "يتطلع للمنصب" ويشتمه، فيما أنا أقول أن جدي توفيق اقترع لشكري القوتلي ولدي صورة تبين أنه يقف على صندوق اقتراع، وأنا أعتذر لعائلة شكري القوتلي عن هذا التشويه. - بعض المشاهد تم تصويرها بطريقة "جيمس بوندية" حيث تم تصوير نزار وهو يقتحم محلات للحشاشين. والدي لم تكن شخصيته على هذا النحو، إذا كان عنده أمسية كان يحضر نفسه كل النهار نفسيا وجسديا ويصمت طوال النهار ولا يأكل ويذاكر شعره وذلك احتراما لجمهوره كما كان يتناول حبة دواء للقلب لأنه ينفعل خلال إلقاء الشعر وبعد الأمسية يقول لي: "هل أحبني الناس.. نزار قباني يرثي زوجته بلقيس. هل كنت جيدا".
التاريخ السوري - السيدة زهرة أقبيق زوجة نزار قباني الأولى ما بين 1946-1952
المرض، الورد، تقبيل اليد، التلفون.. ليقدم لوحة عشقية طريفة جداً بين الأمر وضده، بين ما يضمره العاشق ذات لحظة من غباء، وما يتصرف به ليكتشف حقيقة المشاعر، وهذه الصورة قادرة على أن تعطي تصوراً طبيعياً للحياة وكيف يمكن أن تكون دون تزويق أو تحوير.
2- مرحلة الوطن والانكسار، ما من واحد لا يعرف أن نزار قباني عاش حياة الدعة والبحبوحة، سواء في أسرته التي جعلته مغتنياً عن الآخرين أو في عمله الدبلوماسي الذي أعطاه فرصاً كثيرة وجولات في آفاق الأرض، لكن الربيع عنده جعله يبتعد عن كل شيء، ويستقيل لأنه ما من زهر ينبت، وما من ربيع يأتي دون أن يتحقق شرط الحرية الفردية، فلم يلتفت إلى الوراء وإنما خطط واختار أن يكون حراً.