الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا. ص142 - كتاب التفسير الموضوعي جامعة المدينة - الإيمان بالملائكة والكتب السماوية - المكتبة الشاملة. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]. اليوم نتلكم عن الإيمان بالكتب السماوية؛ حيث إنها من أركان الإيمان الستة، ولا يتم إيمان المسلم ولا يكتمل إلا بالإيمان بالكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله؛ فقد أنزل الله -عز وجل- مع كل رسول كتابًا فيه الهداية والخير. فالإيمان بالكتب السماوية هو التصديق الجازم بأن لله -تعالى- كتباً أنزلها على رسله ليبلّغوها للناس، وأن هذه الكتب هي كلام الله -عز وجل- تكلم بها حقيقة كلاماً يليق به -سبحانه وتعالى-، وأن هذه الكتب فيها الحق والنور والهدى في الدارين. والإيمان بالكتب يتضمن أمورًا منها:
1- الإيمان والتصديق بأن نزولها من عند الله حقّ لا شك فيه.
- ص142 - كتاب التفسير الموضوعي جامعة المدينة - الإيمان بالملائكة والكتب السماوية - المكتبة الشاملة
- إسلام ويب - تفسير الماوردي - تفسير سورة الحاقة - تفسير قوله تعالى ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين- الجزء رقم6
ص142 - كتاب التفسير الموضوعي جامعة المدينة - الإيمان بالملائكة والكتب السماوية - المكتبة الشاملة
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله ---عز وجل---: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]. الكتب السماوية هي. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك. اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَيْنًا إلا قضيته، ولا عسرًا إلا يسَّرته، ولا مريضًا إلا شفيته. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإيمان بما سمى الله من الكتب المنزلة: هناك كتب سماها الله تعالى في كتابه: القرآن، التوارة، الإنجيل، الزبور، فنحن نؤمن بما سمى الله تعالى منها في كتابه، ونؤمن أيضًا بأن لله سوى ذلك كتبًا أنزلها على أنبيائه لا يعرف أسماءها وعددها إلا الله.
ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم ولو تقول علينا بعض الأقاويل أي تكلف علينا بعض الأكاذيب ، حكاه عن كفار قريش أنهم قالوا ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم. لأخذنا منه باليمين فيه خمسة تأويلات: أحدها: لأخذنا منه قوته كلها ، قاله الربيع. الثاني: لأخذنا منه بالحق ، قاله السدي والحكم ، ومنه قول الشاعر إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
اي بالاستحقاق. الثالث: لأخذنا منه بالقدرة ، قاله مجاهد. الرابع: لقطعنا يده اليمنى ، قاله الحسن. [ ص: 87]
الخامس: معناه لأخذنا بيمينه إذلالا له واستخفافا به ، كما يقال لما يراد به الهوان ، خذوا بيده ، حكاه أبو جعفر الطبري. إسلام ويب - تفسير الماوردي - تفسير سورة الحاقة - تفسير قوله تعالى ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين- الجزء رقم6. ثم لقطعنا منه الوتين فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه نياط القلب ويسمى حبل القلب ، وهو الذي القلب معلق به ، قاله ابن عباس. الثاني: أنه القلب ومراقه وما يليه ، قاله محمد بن كعب. الثالث: أنه الحبل الذي في الظهر ، قاله مجاهد. الرابع: أنه عرق بين العلباء والحلقوم ، قاله الكلبي.
إسلام ويب - تفسير الماوردي - تفسير سورة الحاقة - تفسير قوله تعالى ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين- الجزء رقم6
أخي القارئ، وفقني الله وإياك إلى كل خير، إذا علمت هذا ظهر لك ومع أدنى تأمل حال كثير من الناس وأنهم على خطر ما لم يتوبوا إلى الله تعالى ويتداركهم الله برحمته. فمنهم من يتستر في الدين ويتدثر بدثار العلم وبين الحين والآخر يثير بعض المسائل مخالفاً في ذلك لأصول شرعية معلومة من الدين بالضرورة؛ كإنكار علو الله تعالى على خلقه، أو تهوينه من شأن التوحيد أو مدح أهل البدع والأهواء وتصحيح مذهبهم ومدح رموزهم وطواغيتهم، وتارة يجيز أموراً لا يقول بها مسلم، فضلاً عن أن يقول بها عالم أو حتى طالب علم. ومنهم باسم الديانة والمشيخة - وهو لا همَّ له إلا الشهرة وخطف الأضواء - يحرص حرصاً عظيماً - باسم الدين - على الإثارة وطرح المواضيع الغريبة بحيث يثيرها على أنها ظاهرة، وهي أمر محدود ونادر، وربما شاذ. ولو تقول علينا بعض الأقاويل تفسير. لماذا هذا كله وباسم الدين ؟! للشهرة حتى يتقول ويتكلف في أحكام الدين؟! ، وكما قيل ((حب الظهور يقصم الظهور)). ومنهم من يتستر بالدين ويرقي الناس ويعالجهم بالقرآن وهو لا يعرف، يقرأه من أجل المال أو النساء أو الشهرة أو من أجل هذه الأمور كلها أو بعضها أو غيرها، فسرعان ما يفتي: بهذا حسد، وهذا سحر، وهذا عين، وهذا نفس، وأنت فيك جن والآخر فيه عفاريت وغرائب وعجائب ويحمل لقب ((شيخ)) وباسم الدين!!
لذلك يصبح من الواضح أن هذا الدليل لا يصلح دليلا للنبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان سنة الله المستمرة من قبل ومن بعد، والتي قد رآها الناس مرارا وسيرونها كلما ظهر مدعٍ كاذب. إستمرارية الوعد هو الدليل لصدق المبعوث
هذا الدليل كان معروفا مسبقا وسجله الكتاب المقدس أيضا إذ جاء فيه: { أَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيُّ. } (اَلتَّثْنِيَة 18: 20) ومعنى الموت هنا هو الهلاك بالعذاب وبالاجتثاث بيد الله تعالى أو بأيدي الناس. والجميل أنه جاء أيضا في سياق النبأ عن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الدليل إنما هو دليل قاطع في صدق الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام الذي ادعى أنه ذلك المبعوث الذي أنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم بصفته المهدي والمسيح وأشار إليه القرآن الكريم بصفته الرجل الفارسي الذي سيؤسس جماعة { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} الذي سيعيد الإيمان من الثريا. فقد استمر في دعواه ما يقارب 35 عاما يعلن فيها أنه مبعوث من الله تعالى ويعلن وحيا من المبشِّرات ينسبه إلى الله تعالى، ثم لم يهلكه الله بعذاب، بل عاش عمرا طويلا وصل إلى 73 عاما رغم أنه كان يعاني من الأمراض الكثيرة، ورغم كثرة أعدائه الذين كانوا يتعطشون لدمه، وألف خلال ذلك ما يزيد على 80 كتابا، ووصلت جماعته قبيل وفاته إلى ما يقارب نصف مليون، ثم بدأت بعد ذلك بالانتشار في العالم أجمع لتقوم بمهام نشر الإسلام في العالم كله.