وعلى قول من قال: هي خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أبي وأشباهه. وعلى قول من قال: نزلت في مشركي مكة فلا كلام ، فإنهم مبعدون ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم ؛ ومن أسلم فالإسلام [ ص: 194] يجب ما قبله. وقال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر وأنثى ؛ ويكون التقدير: إن الذين يرمون الأنفس المحصنات ، فدخل في هذا المذكر والمؤنث ، وكذا في الذين يرمون ؛ إلا أنه غلب المذكر على المؤنث.
- التفريغ النصي - تفسير سورة النور _ (5) - للشيخ أبوبكر الجزائري
- " ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ "
التفريغ النصي - تفسير سورة النور _ (5) - للشيخ أبوبكر الجزائري
[ ثانياً: تقرير الحساب] يوم القيامة [ وما يتم فيه من استنطاق واستجواب] وشهود الأعضاء، فتشهد الرجل إذا مشت، واليد إذا أعطت أو أخذت، والعين إذا أبصرت، واللسان إذا نطق، ورغم أنفه تنطق جوارحه، كما قال تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ [يس:65]. [ ثالثاً: تقرير التوحيد بأنه لا إله إلا الله] ففي هذه الآيات تقرير كذلك بأن الله هو الحق، أي: الإله الحق، لا إله غيره ولا رب سواه. [ رابعاً: استحقاق الخبث أهله، فالخبيث هو الذي يناسبه القول الخبيث والفعل الخبيث] كما قدمنا. فالخبيث هو الذي ينطق بالخبث، والخبيثة من النساء هي التي تنطق بالخبث، كما قدمنا في تفسير الآيات، فالزاني لا يزني إلا بزانية مثله، والزانية لا تزني إلا بزانٍ مثلها أو مشرك، والعياذ بالله. [ خامساً: استحقاق الطيب أهله، فالطيب هو الذي يناسبه القول الطيب والفعل الطيب] وعكسه الخبيث، وهو الذي يناسبه القول الخبيث والفعل الخبيث. [ سادساً: براءة أم المؤمنين و صفوان مما رماهما به أهل الإفك] ومما أشاع ابن أبي من تلك التهمة الباطلة الفاجرة الكاذبة. فقد نزلت هذه الآيات في براءتهما، فقد برأهما الله عز وجل على رأس ثلاثين آية، إذ الآيات نزلت في هذه الحادثة بالذات.
أما الثانية ففي شأن باقي الأمة ومن قام بالقذف فعليه البينة بإحضار أربعة من الشهود وإلا يجلد ثمانون جلدة ولا تقبل شهادته ويصبح فاسقا كما نصت الآية. وأما الثالثة فيمن رمي زوجته بالزنا فقد نزلت الآيات في هلال بن أمية لما رمي زوجته بشريك بن السمحاء فقال له الرسول البينة أو حد ظهرك فقال يا رسول الله أيجد أحدنا رجلا مع زوجته وينطلق يلتمس البينة فجعل الرسول يكرر. فقال هلال والذي بعثك بالحق نبيا إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزلت الآيات لتدل علي أن من رمي زوجته بالزنا عليه الحد ثمانون جلدة إلا أن يقيم البينة علي وقوع ذلك من زوجته أو يلاعن هذه الزوجة ويكون ذلك بواسطة الحاكم أو من يقوم مقامه ويكون في جامع وعلي منبر ويردد خلف الحاكم أشهد أنني صادق في ما رميت به زوجتي من الزنا ويذكرها إن كانت غائبة ويشير لها إن كانت حاضرة. ويذكره الحاكم بعذاب الله في الدنيا والآخرة فيقول في الخامسة أن غضب الله علي أن كنت من الكاذبين. ويترتب علي هذا اللعان: سقوط حد القذف عن الزوج ووجوب حد الزنا علي الزوجة ويفرق بينهما فرقة مؤبدة وتحرم المرأة علي الرجل حرمة مؤبدة وينفي الولد عن الرجل وينسب لأمه. وتقوم المرأة وتلاعن الرجل أمام الحاكم أيضا وتشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين فيذكرها الحاكم بعذاب الله في الدنيا والآخرة فتشهد في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان الزوج من الصادقين فيسقط بذلك عنها حد الزنا.
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) قوله تعالى: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم قوله تعالى: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر; فقال: " ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة) ؟ قالا: الجوع يا رسول الله. قال: " وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما قوما " فقاما معه; فأتى رجلا من الأنصار ، فإذا هو ليس في بيته ، فلما رأته المرأة قالت: مرحبا وأهلا. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أين فلان " ؟ قالت: يستعذب لنا من الماء; إذ جاء الأنصاري ، فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه ، ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني. ثم لتسألن يومئذ عن النعيم. قال: فانطلق ، فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب ، فقال: كلوا من هذه. وأخذ المدية فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إياك والحلوب " فذبح لهم ، فأكلوا من الشاة ، ومن ذلك العذق ، وشربوا; فلما أن شبعوا ورووا ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: " والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم ، يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم ".
&Quot; ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ &Quot;
وذكر قصته. [ ص: 157] قلت: اسم هذا الرجل الأنصاري مالك بن التيهان ، ويكنى أبا الهيثم.
قلت: وهذا منتزع من قوله - عليه السلام -: " ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه ، وثوب يواري عورته ، وجلف الخبز والماء " خرجه الترمذي. وقال النضر بن شميل: جلف الخبز: ليس معه إدام. وقال محمد بن كعب: النعيم: هو ما أنعم الله علينا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -. " ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ". وفي التنزيل: لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم. وقال الحسن أيضا والمفضل: هو تخفيف الشرائع ، وتيسير القرآن ، قال الله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج ، وقال تعالى: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر. قلت: وكل هذه نعم ، فيسأل العبد عنها: هل شكر ذلك أم كفر. والأقوال المتقدمة أظهر والله أعلم.