ثامنا: أن صلة الرحم تعجل الثواب وقطيعتها تعجل العقاب, ففي سنن البيهقي وصححه الألباني: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « لَيْسَ شَيْءٌ أُطِيعَ اللَّهُ فِيهِ أَعْجَلَ ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَعْجَلَ عِقَابًا مِنَ الْبَغْي وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلاَقِعَ ». تاسعا: أن صلة الرحم تدفع ميتة السوء: ففي مسند أحمد: (عَنْ عَلِىٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُدْفَعَ عَنْهُ مَيْتَةُ السُّوءِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ » ، عاشرا: أن صلة الرحم سبب لمحبة الأهل للواصل: فقد روى الترمذي وصححه الألباني: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ ».
- في صلة الرحم
- القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الحاقة - الآية 9
في صلة الرحم
[٧]
الخطبة الثانية
عباد الله، يا من آمنوا بالله ورسوله انظروا في حالكم، انظروا في أقاربكم، "هل قمتم بما يجب لهم عليكم من صلة؟ هل ألنتم لهم الجانب؟ هل أطلقتم الوجوه لهم وهل شرحتم الصدور عند لقائهم؟ هل قمتم بما يجب لهم من محبة وتكريم واحترام؟ هل زرتموهم في صحتهم توددًا وهل عدتموهم في مرضهم احتفاء وسؤالًا؟ هل بذلتم ما يجب بذله لهم من نفقة وسداد حاجة؟ فلننظر، ولنتفكر، ولنسعى لرضا المولى في كل حركاتنا وسكناتنا". [١٩]
توبوا إلى الله واستغفروه، فإنَّ حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يتوب إلى الله في اليوم سبعين مرَّة ً، ولا تنسوا الإكثار من الصَّلاة على رسوله الكريم ، فعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً، كُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ)، [٢٠]
الدعاء
اللهمَّ ارحمنا برحمتك، وأكرمنا بكرمك، واحفظنا بعنايتك. خطبة عن صلة الرحمن. اللهمَّ اجعلنا من الواصلين لأرحامهم. اللهمَّ ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وانزع البغضاء والقطيعة من صدورنا. اللهمَّ لا تجعل لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلَّا قضيته،ولا مريضاً إلَّا شافيته، ولا مبتلاً إلَّا رحمته، ولا مسافراً إلَّا إلى أهله رددته.
واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له …. واشهد أن محمدا عبده ورسوله.. اللهم صل وسلم وبارك على سيدتا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
إنّ ذوي الرّحِم هم أناس غيرُ معصومي ن من الخطأ ، فهم يتعرّضون للزّلَل، ويقَعون في الخَلل، وتصدُر منهم الهَفوة، ويقَعون في الكبيرة، فإن بَدَر منهم شيءٌ من ذلك فالزَم أخي المسلم جانبَ العفوِ معهم، فإنَّ العفوَ من شِيَم المحسنين،. وما زادَ الله عبدًا بعفو إلاّ عِزًّا،.. وقابِل إساءَتهم بالإحسان، واقبل عُذرَهم إذا أخط أ وا،.. خطبه قصيره عن صله الرحم. لقد فعل إخوة يوسفَ مع يوسفَ ما فعلوا، وعندما اعتذروا لأخيهم قبِل عذرهم وصفَح عنهم الصفحَ الجميل، ولم يوبِّخهم، بل دعا لهم وسأل الله المغفرةَ لهم، قال: ( لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرحِمِينَ) [يوسف:92].
وفي بعض القراءات ( وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ). حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ) قال: المؤتفكات: قوم لوط، ومدينتهم وزرعهم، وفي قوله: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى قال: أهواها من السماء: رمى بها من السماء؛ أوحى الله إلى جبريل عليه السلام، فاقتلعها من الأرض، ربضها ومدينتها، ثم هوى بها إلى السماء؛ ثم قلبهم إلى الأرض، ثم أتبعهم الصخر حجارة، وقرأ قول الله: حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً قال: المسوّمة: المُعَدَّة للعذاب. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ): يعني المكذّبين. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الحاقة - الآية 9. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَالْمُؤْتَفِكَاتُ) هم قوم لوط، ائتفكت بهم أرضُهم. وبما قلنا في قوله: ( بِالْخَاطِئَةِ) قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( بِالْخَاطِئَةِ) قال: الخطايا.
القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الحاقة - الآية 9
ووصفت قرى قوم لوط ب ( المؤتفكات) جمع مؤتفكة اسم فاعل ائتفك مطاوع أفكه ، إذا قلبه ، فهي المنقلبات ، أي قلبها قالب أي خسف بها قال تعالى فجعلنا عاليها سافلها. والخاطئة: إما مصدر بوزن فاعلة وهاؤه هاء المرة الواحدة فلما استعمل مصدرا قطع النظر عن المرة ، كما تقدم في قوله ( الحاقة) فهو مصدر خطئ ، إذا أذنب. والذنب: الخطء بكسر الخاء ، وأما اسم فاعل خطئ وتأنيثه بتأويل: الفعلة ذات الخطء فهاؤه هاء تأنيث. والتعريف فيه تعريف الجنس على كلا الوجهين ، فالمعنى: جاء كل منهم بالذنب المستحق للعقاب. وفرع عنه تفصيل ذنبهم المعبر عنه بالخاطئة فقال فعصوا رسول ربهم وهذا التفريع للتفصيل نظير التفريع في قوله كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر في أنه تفريع بيان على المبين. وضمير عصوا يجوز أن يرجع إلى فرعون باعتباره رأس قومه ، فالضمير عائد إليه وإلى قومه ، والقرينة ظاهرة على قراءة الجمهور ، وأما على قراءة أبي عمرو والكسائي فالأمر أظهر وعلى هذا الاعتبار في محل ضمير ( عصوا) يكون المراد ب رسول ربهم موسى - عليه السلام -. وتعريفه بالإضافة لما في لفظ المضاف إليه من الإشارة إلى تخطئتهم في عبادة فرعون وجعلهم إياه إلها لهم.
[ ص: 122] ويجوز أن يرجع ضمير ( عصوا) إلى فرعون ومن قبله والمؤتفكات. و رسول ربهم هو الرسول المرسل إلى كل قوم من هؤلاء. فإفراد ( رسول) مراد به التوزيع على الجماعات ، أي رسول الله لكل جماعة منهم ، والقرينة ظاهرة ، وهو أجمل نظما من أن يقال: فعصوا رسل ربهم ، لما في إفراد ( رسول) من التفنن في صيغ الكلم من جمع وإفراد تفاديا مع تتابع ثلاثة جموع ؛ لأن صيغ الجمع لا تخلو من ثقل لقلة استعمالها ، وعكسه قوله في سورة الفرقان وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم ، وإنما كذبوا رسولا واحدا ، وقوله كذبت قوم نوح المرسلين وما بعده في سورة الشعراء ، وقد تقدم تأويل ذلك في موضعه. والأخذ: مستعمل في الإهلاك ، وقد تقدم عند قوله تعالى أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون في سورة الأنعام وفي مواضع أخرى. و ( أخذة): واحدة من الأخذ ، فيراد بها أخذ فرعون وقومه بالغرق ، كما قال تعالى فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ، وإذا أعيد ضمير الغائب إلى فرعون ومن قبله والمؤتفكات كان إفراد الأخذة كإفراد رسول ربهم ، أي أخذنا كل أمة منهم أخذة. والرابية: اسم فاعل من ربا يربو إذا زاد فلما صيغ منه وزن فاعلة ، قلبت الواو ياء لوقوعها متحركة إثر كسرة. واستعير الربو هنا للشدة كما تستعار الكثرة للشدة في نحو قوله تعالى وادعوا ثبورا كثيرا.