ولقد وجدنا أن الثقافة الأمريكية قد تحكمت في الزمان والمكان حين وضعت دعائمها وأسسها ومقوماتها واتجاهاتها البرجماتزمية. ومثل ذلك ينطبق على الثقافة السوفيتية الماركسية التي تذرعت بالديكتاتورية لتتحكم في الأوضاع والزمان والمكان. فترك ميدان الفكر في العالم العربي في أيدي المغرورين من الديوك التي تحاول تقليد الطاووس الأمريكي أو الدب الروسي جريمة والنتائج المترتبة على هذا الوضع لن تظهر عواقبها السيئة ألا بعد مضى فترة غير قصيرة من الزمن. والزمن في حياة الأمم لا يقدر بالشهور والسنوات. مجلة الرسالة/العدد 899/دفاع عن الثقافة العربية - ويكي مصدر. فلئن علت أصوات الإنكار لهذه التيارات من أدب اللذة والمجون (وعامية الذهن وسطحية الفكرة وسآمة الجد) فلأن الثقافة العربية حساسة لا تزال في جوهرها أصيلة وعريقة. ولقد شعرت بالتحدي قبل أن يستفحل خطره ولمست الشيء فبل أن ترسخ أسسه. فدفاع المثقفين عن سلامة المقومات الأصيلة للثقافة العربية مستمد من عراقة الثقافة ومتانة هذه المقومات واستقلال العقلية العربية ونفورها من أن لا تعيش على قدم المساواة مع الثقافات الإنسانية الأصيلة. وكما تحمس المدافعون عن أصول هذه الثقافة ونقلوا حماسهم إلى المجالس العامة ازدادت مناعة تلك المجالس ضد الانسياق مع لأدب الترف والمتعة والمنحط من الغرائز والشهوات.
- كتاب الثقافة الاسلامية 2
- كتاب الثقافة الاسلامية 1
- كتاب الثقافه الاسلاميه جامعة النجاح
كتاب الثقافة الاسلامية 2
والحق أن الأخبار والآثار والعقل تتناصر كلها على إثبات حضارة عربية في المدن الجاهلية. وإذا كان بدو الجزيرة هم الذين أنتجوا الشعر وفتحوا الفتوح فان حضر الحجاز هم الذين حكموا الناس ونشروا المعرفة وأقاموا الحضارة.
كتاب الثقافة الاسلامية 1
أماالقبائل العربية فلم يكادوا يضعون عن كواهلهم عتاد الحرب وينفضون عن وجوههم غبار الصحراء؛ حتى صعدوا في مراقي الحضارة بسرعتهم في طريق الفتوح. واستطاعوا أن يرفعوا على أنقاض اليونان والرومان والفرس حضارة ثابتة الأصول باسقة الفروع لا يظهر في عناصرها المختلفة الا روح الإسلام وفكر العرب، ثم كانت من القوة بحيث طاولت الدهر، وصاولت المغير، وأخضعت لسلطانها حضارات لم تخضع لفاتح من قبل. وسخرت لدعايتها خصوماً لم يتحرروا من آثارها بعد. ولو رحنا نتلمس أسرار هذه القوة وأسباب تلك العظمة وجدناها أولاً في الهام الطبع وسلامة الفطرة وجاذبية المثل الأعلى وثانيا في القابلية الطبيعية لفقه الحضارة، وهي صفة لا تكتسب عفو الحاضر ولا طوع التقليد. وإنما تتأصل في الشعب بتقادم عهده في الثقافة وطول رياضته على التمدن. فالعرب لم يكونوا جميعا كما يصورهم الأدب القديم جفاة الطباع بداة الاجتماع. وإنما كان منهم في اليمن والحجاز والشام والعراق متحضرون لابسوا أرقى أمم العالم بالتجارة منذ ألفي سنة، وكان لهم قبل الإسلام ثقافة أدبية ومدنية لغوية لم يكن من المعقول أن تظهرا في التاريخ فجأة. الإسلام - ويكي الاقتباس. فان تطور الأفراد والشعوب والأنظمة والعقائد تدريجي بطيء لا يبلغ كماله الا حالا على حال ودرجة بعد درجة.
كتاب الثقافه الاسلاميه جامعة النجاح
واتجاهنا الآن إلى التصنيع والإنعاش الاقتصادي لا يبرر مطلقاً التقليد الأعمى والمحاكاة الضالة وتجاهل المقومات التقليدية الأصيلة المتأصلة فنياً والتي ورثناها عن ثقافتنا الكلاسيكية بما فيها من النزعات الروحانية والخلق القومي والاتجاهات العاطفة والصلات الاجتماعية والمشاعر والاحساسات الخاصة بنا والتي نتميز بها عن غيرنا من الأمم. وحتى لو تعمدنا تجاهل هذه المقومات لما استطعنا وإلا كنا أشبه بالديك الذي تعمد تقليد مشية الطاووس فلم يكن له من تكوينه الطبيعي عون على المحاكاة التامة فنسي مشيته وفقد نفسه وأصبح مدعاة إلى السخرية:
فطبيعة المجتمع العربي ليست كطبيعة المجتمع الأمريكي أو السوفيتي أو الفرنسي. فهناك اختلاف جوهري في التطور التاريخي والصناعي وفي العواطف والاحساسات والمشاعر. كتاب الثقافة الاسلامية 1. وسبب هذا التباين مستمد من العوامل البيولوجية، من الوراثة والبيئة والتفاوت في مستوى التطور. فتغذية القارئ العربي بالإنتاج الثقافي (الخام) أمريكياً كان أم فرنسياً أم روسياً مخالف لسنن الطبيعة فوق مخالفته للمنطق السليم والمصلحة القومية. ومشاكلنا الاجتماعية تختلف، وملذتنا وآلامنا ومستقبلنا الثقافي والسياسي والاجتماعي تختلف عن مثيلاتها في الثقافات الأخرى.
والواقع أن نسبة الانتحار بين البروتستانت الأمريكان هي أعلى نسبة بين المجموعات الإنسانية الأخرى كما شرح ذلك (أميل في دير كهايم) دراسته المعروفة عن الانتحار. والثقافة البرجماتزمية في إصرارها على النواحي المادية في السلوك والحياة الإنسانية لا تختلف كثيراً عن الفلسفة الماركسية وتفسيرها المادي للتاريخ وسعيها الآخرة بالدنيا. وأدب وفن وثقافة وحضارة هذا عنصرها الجوهري هي ثقافة راحة وترف لا يعنيها توجيه النفس توجيهاً ثقافياً أصيلاً بقدر ما يعنيها توفير المتعة وإشباع الغريزة واللعب بالعواطف وإثارتها واصطناع اللذة. وليس لنا أن نستعرض هنا حسنات ثقافة الترف والمتعة والغريزة أو سيئاتها في التكافل الاجتماعي في الحضارات الصناعية، فمشاكل العائلة والصراع الطائفي والعنصري من نتائجها. ومن نتائجها كذلك القلق الاقتصادي وفقدان الطمأنينة السياسية وما يستتبع ذلك من توسع استعماري وحروب وويلات صبغت تاريخ الغرب بالدم والنار، وهو اليوم يدفع الإنسانية إلى المحو والدمار بالقنابل الذرية والهيدروجينية. كتاب الثقافة الاسلامية 2. ولكن الذي يعنينا أن الثقافة الصناعية المادية أمريكية كانت أم ماركسية ابتدأت - خطأ أو صواباً - من حيث اختارت البدء. ونحن في العالم العربي وريثو حضارة لا يمكن أن توصف بأنها صناعية مادية.