ثم إن نوحاً يخبر قومه، أنه لا يمكن أن يتخلى عمن آمن برسالته، ولا أن يغلق الطريق أمام من انقاد لأمر ربه، {وما أنا بطارد المؤمنين} (الشعراء:114)، وهل يستقيم في ميزان العقل أن يدعوهم إلى الإيمان بربهم، وترك ما هم عليه من عبادة الأصنام، ثم يتنكر لهم بسبب ما آمنوا به، ويطردهم مما دخلوا فيه! وبعد أن يجابه نوح قومه بهذا الموقف، يؤكد لهم أن مهمته الأساس التي جاء من أجلها بعد الدعوة إلى عبادة الله وحده، هي إنذار الناس من عذاب يوم عظيم، ومن ثم فهو يخاطبهم بقوله: {إن أنا إلا نذير مبين} (الشعراء:115). وكما هي عاقبة الأمور، فإن الله نجى نوحاً والذين آمنوا معه، وأغرق الرافضين لسبيل الحق، والمعرضين عن طريق الهدى، وجعلهم عبرة لمن بعدهم، {فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد الباقين * إن في ذلك لآية وما أكثرهم مؤمنين} (الشعراء:119-121)، {قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} (هو:48). قصة نوح عليه السلام …دروس وعبر -. هذا، وقد تخلل قصة نوح عليه السلام حوار بين نوح وابنه الكافر، ذلك الابن الذي أصر على كفره، وأبى أن يسلك طريق الإيمان والهداية، فكانت عاقبته عاقبة من أصر على كفره وشركه، فكان من المغرقين، ولم تنفعه شفاعة أبيه عند الله، {قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} (هود:46).
- قصة نوح عليه السلام …دروس وعبر -
قصة نوح عليه السلام …دروس وعبر -
مجاهدة النفس على الجمع بين العلم والعمل، فلا يكفي أن يدرك الإنسان التعاليم الدينية فقط، وإنما لا بد أن يُتبع ذلك بالعمل الصالح ليصبح مقبولًا. الصبر على أذى الناس. مجاهدة النفس على الدعوة لدين الله والتعريف به، وتعليم أموره وتعاليمه لمن لا يعرفها، فالله أمر بعدم كتمان المعرفة، ونقلها إلى الناس، كما أمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد جعل الله لمن يدعو الناس لعبادته ثوابًا عظيمًا، كما توعَّد من يبخل بعلمه عن الناس بالعذاب. مجاهدة النفس وحثها على الصبر في طريق الدعوة، مثلما فعل رسل الله وأنبيائه عندما صبروا على أذى المشركين والكفار، واستمروا في دعوتهم رغم كل ما لاقوه من عذابٍ وأهوال، وقد فعلوا ذلك بغية رضا الله وجنته. قد يهمك الاطلاع على المزيد من المعلومات من خلال ما يلي: ما هو حكم صيام يوم عرفة جهاد النفس أهمية جهاد النفس مجاهدة النفس، رغم صعوبتها، إلا أنها تمثل أهمية كبيرة للفرد في دنياه وآخرته، ومما يؤكد تلك الأهمية أنها تدريب للإنسان على التحلي بالقوة، فمن لا يستطيع مقاومة نفسه والتصديلرغباتها المحرمة، لن يستطيع مجابهة أعدائه. الإنسان الذي يجاهد نفسه يحظى بتأييد الله وتوفيقه في كل خطوة وبكل أمور حياته، ومما يؤكد ذلك قوله تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ".
يواصل الإمام الشعراوى تفسيره للآية 188 من سورة البقرة حيث يقول الحق سبحانه: «وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل»، قد يقول: أنا أخذت مثلما يأخذون، نقول له: لا؛ لقد أخذت زمن غيرك ولا يصح أن تأتى آخر الناس وتأخذ حق الشخص الذى وقف فى ( الطابور) من السابعة صباحا. إن حقك مرتبط بزمنك، فلا تعتد على وقت الآخرين الذين هم أضعف منك قدرة أو مالاً. إن الحق يقول: « وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ الناس بالإثم وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ». والفريق هو الجماعة المعزولة من جماعة أكثر عددا، فإذا ما انفصلت جماعة صغيرة عن أناس بهذه الجماعة تُسمى فريقاً. والإثم الأصيل فيه ولو لم يكن هناك دين أن تفعل ما تُعاب عليه وتُذم، وكذلك تُعاب عليه وتُذم من ناحية الدين، وفوق ذلك تعاقب فى الآخرة. وما هو مقياس الحق والباطل؟ إن المقياس الذى ينجيك من الباطل هو أن تقبل لنفسك ما تقبله للطرف الآخر فى أية صفقة أو معاملة؛ لأنك لا ترضى لنفسك إلا ما تعلم أن فيه نفعاً لك. ثم ينتقل الحق سبحانه وتعالى إلى قضية يعالج فيها أمراً واجه الدعوة الإسلامية، والدعوة الإسلامية إنما جاءت لتخلع المؤمنين بالله من واقع فى الحياة كان كله أو أغلبه باطلاً، ولكنهم اعتادوه وألفوه أو استفاد أناس من ذلك الباطل، ذلك أن الباطل لا يستمر إلا إذا كان هناك مَنْ يستفيدون منه.