السَّكِينَة الثَّانية: هي التي تَنْطِق على لسان المحدَّثين، ليست هي شيئًا يُملك، إنَّما هي شيء من لطائف صنع الحقِّ، تُلقى على لسان المحدَّث الحِكْمة، كما يُلقي الملَك الوحي على قلوب الأنبياء، وتنطق بنُكَت الحقائق مع ترويح الأسرار، وكشف الشُّبه. السَّكِينَة الثَّالثة هي التي نزلت على قلب النَّبي، وقلوب المؤمنين، وهي شيء يجمع قوَّةً وروحًا، يَسْكن إليه الخائف، ويتسلَّى به الحزين والضَّجِر، ويَسْكن إليه العَصِيُّ والجريء والأَبِيُّ. وأمَّا سَكِينة الوَقَار التي نزَّلها نعتًا لأربابها: فإنَّها ضياء. تلك السَّكِينَة الثَّالثة التي ذكرناها، وهي على ثلاث درجات: الدَّرجة الأولى: سكينة الخشوع عند القيام للخدمة: رعاية وتعظيمًا وحضورًا. الدَّرجة الثَّانية: السَّكِينَة عند المعاملة بمحاسبة النفوس، وملاطفة الخلق، ومراقبة الحق. مع القرآن لاستنزال السكينة. الدَّرجة الثَّالثة: السَّكِينَة التي تثبِّت الرِّضَى بالقَسْم، وتمنع من الشَّطْح الفاحش، وتوقِّف صاحبها على حدِّ الرُّتبة، والسَّكِينَة لا تَنْزل إلَّا في قلب نبيٍّ أو وليٍّ) [منازل السائرين، للهروى]. من الوسائل المعينة على التَّخلُّق بخُلق السَّكِينَة:
1- الامتثال لقول الرَّسول صلى الله عليه وسلم ((عليكم بالسَّكِينَة)) [جزء من حديث رواه البخارى ومسلم].
هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
انظر: لسان العرب لابن منظور (6/288). أصحابه إلى أن انتهى إليَّ وأنا في كثف [1642] في كثف أي في حشد وجماعة. انظر: لسان العرب لابن منظور (9/296). فقال: معشر المسلمين استشعروا الخشية، وعَنُّوا الأصوات، وتجَلْبَبوا السَّكينة، وأكْملُوا اللُّؤَم، وأَخِفُّوا الجُنَن، وأَقْلقُوا السُّيوف في الغُمْد [1643] حركوها في أغمادها قبل أن تحتاجوا إلى سلها ليسهل عند الحاجة إليها. هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين. انظر: تاج العروس للزبيدي (26/341). قبل السَّلَّة، والحَظُوا الشَّزْر، واطْعَنُوا الشَّزْر، أو النَّتْر، أو اليَسْر [1644] انظر ما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (42/460). وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كنَّا نتحدَّث أنَّ السَّكِينَة تنطق على لسان عمر وقلبه [1645] رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (44/108)، وأحمد (1/106) (834) ولفظه: وما نبعد أنَّ السَّكينة تنطق على لسان عمر رضي الله عنه، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تحقيق المسند (2/147). وقال ابن القيِّم: السَّكِينَة إذا نزلت على القلب اطمأن بها، وسكنت إليها الجوارح، وخشعت، واكتسبت الوَقَار، وأنطقت اللِّسان بالصَّواب والحِكْمة، وحالت بينه وبين قول الخَنَا والفحش، واللَّغو والهجر وكلِّ باطلٍ.
مع القرآن لاستنزال السكينة
والكلُّ ألفاظ متقاربة. قال التوربشتي: كأنَّها أشارت بالسَّمت إلى ما يُرَى على الإنسان من الخشوع والتَّواضع لله، وبالهدي: ما يتحلَّى به من السَّكِينَة والوَقَار، إلى ما يسلكه من المنهج المرضي [1636] مرقاة المفاتيح للقاري (7/2969). أقوال السَّلف والعلماء في السَّكِينَة:
قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: تعلَّموا العلم ، وتعلَّموا للعلم السَّكِينَة والحلم [1637] رواه البيهقي في شعب الإيمان (2/287) (1789)، ولفظه: تعلَّموا العلم، وعلِّموه النَّاس، وتعلَّموا له الوَقَار والسَّكينة. قال البيهقي في المدخل إلى السُّنن الكبرى (2/153): هذا هو الصَّحيح عن عمر من قوله، [وروي] مرفوعًا وهو ضعيف. قال أبو محمَّد في حديث علي: إنَّ ابن عبَّاس رحمه الله قال: ما رأيت رئيسًا مِحْرَبًا [1638] رجل محرب أي محارب لعدوه. هو الذي انزل السكينه في قلوب المؤمنين. انظر: لسان العرب لابن منظور (1/303). يُزَنُّ به [1639] زنه بالخير زنا وأزنه: ظنه به أو اتهمه. انظر: لسان العرب لابن منظور (13/200)، لرأيته يوم صفِّين، وعلى رأسه عمامة بيضاء، وكأنَّ عينيه سراجَا سليط [1640] رجل سليط أي فصيح حديد اللسان. انظر: لسان العرب لابن منظور (7/320). وهو يحمش [1641] حمش الشيء: جمعه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانتَه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لِمَا فيه صلاح البلاد والعباد، يا سميع الدعاء، يا أكرم الأكرمين. اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخِرُ دَعْوَانا أن الحمد لله رب العالمين.