وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) القول في تأويل قوله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) قال أبو جعفر: اختلف أهلُ التأويل في تأويل هذه الآية. فقال بعضهم: هذه الآية هي أول آية نـزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك. وقالوا: أمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من المشركين، والكف عمن كفّ عنهم، ثم نُسخت ب " براءة ". * ذكر من قال ذلك: 3089 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد، وابن أبي جعفر، عن أبي جعفر، عن الربيع في قوله: " وقاتلُوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تَعتدوا إن الله لا يحبّ المعتدين " قال: هذه أوّل آية نـزلت في القتال بالمدينة، فلما نـزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من يقاتله، ويكفُّ عمن كفّ عنه، حتى نـزلت " براءة " - ولم يذكر عبد الرحمن: " المدينة ". 3090 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: " وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم " إلى آخر الآية، قال: قد نسخ هذا!
- وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم
- في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم
وما جاء قطُّ بإعطاءِ الزَّكاة في الحجِّ أثرٌ). ((أحكام القرآن)) (2/533). وقال ابنُ قُدامة: (لا خلافَ في استحقاقِهم وبقاءِ حُكمِهم، ولا خلاف في أنَّهم الغُزاةُ في سبيل الله؛ لأنَّ سبيلَ الله عند الإطلاق هو الغَزوُ؛ قال الله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ **البقرة: 190**، وقال: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ **المائدة: 54**، وقال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا **الصف: 4**، وذكَر ذلك في غيرِ مَوضعٍ مِن كتابِه، فإذا تقرَّر هذا، فإنَّهم يُعطَون وإن كانوا أغنياءَ). ((المغني)) (6/482). وينظر: تفسير القرطبي (3/236)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (2/26).
في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء
وأيضا فإن هذا هو الواقع، فإن المؤمنين على قسمين: - صادقون في إيمانهم أوجب لهم ذلك كمال التصديق والجهاد. - وضعفاء دخلوا في الإسلام فصار معهم إيمان ضعيف لا يقوى على الجهاد. كما قال تعالى: { قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] إلى آخر الآيات. ثم ذكر غايات هؤلاء المتثاقلين ونهاية مقاصدهم، وأن معظم قصدهم الدنيا وحطامها فقال: { فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} أي: هزيمة وقتل، وظفر الأعداء عليكم في بعض الأحوال لما لله في ذلك من الحكم. { قَالَ} ذلك المتخلف { قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا} رأى من ضعف عقله وإيمانه أن التقاعد عن الجهاد الذي فيه تلك المصيبة نعمة. ولم يدر أن النعمة الحقيقية هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة، التي بها يقوى الإيمان، ويسلم بها العبد من العقوبة والخسران، ويحصل له فيها عظيم الثواب ورضا الكريم الوهاب. وأما القعود فإنه وإن استراح قليلا فإنه يعقبه تعب طويل وآلام عظيمة، ويفوته ما يحصل للمجاهدين. ثم قال: { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ} أي: نصر وغنيمة { لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} أي: يتمنى أنه حاضر لينال من المغانم، ليس له رغبة ولا قصد في غير ذلك، كأنه ليس منكم يا معشر المؤمنين ولا بينكم وبينه المودة الإيمانية التي من مقتضاها أن المؤمنين مشتركون في جميع مصالحهم ودفع مضارهم، يفرحون بحصولها ولو على يد غيرهم من إخوانهم المؤمنين ويألمون بفقدها، ويسعون جميعا في كل أمر يصلحون به دينهم ودنياهم، فهذا الذي يتمنى الدنيا فقط، ليست معه الروح الإيمانية المذكورة.
بتصرّف. ↑ محمود السبكي (1977)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة 4)، المدينة المنورة: المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 53، جزء 8. بتصرّف. ↑ زين الدين الرازي (1417)، تحفة الملوك (الطبعة 1)، بيروت:دار البشائر الإسلامية، صفحة 116. بتصرّف. ↑ مجموعة من المؤلفين ، مجلة البيان ، صفحة 20. بتصرّف. ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبي موسى الأشعري ، الصفحة أو الرقم:3126 ، صحيح. ↑ نادية العمري (2001)، أضواء على الثقافة الاسلامية (الطبعة 9)، بيروت:مؤسسة الرسالة ، صفحة 287. بتصرّف. ↑ عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2011)، الفقه الميسر (الطبعة 1)، الرياض:مدار الوطن ، صفحة 267، جزء 7. بتصرّف. ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن مسروق بن الأجدع ، الصفحة أو الرقم:1887، صحيح. ↑ محمد بن العثيمين (1413)، مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، الرياض:دار الوطن، صفحة 312-313، جزء 7. بتصرّف. ↑ مجموعة من المؤلفين (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، الكويت:دار السلاسل، صفحة 273، جزء 26. بتصرّف. ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي قتادة ، الصفحة أو الرقم:1885، صحيح.