أن يختلط الحبّ والفرح والألم والكره في عينين مرّة واحدة، أو أن ترى عيناك في عينين حبّا وفرحًا ما تفتأ أن تراهما ألمًا وأحيانًا كرهًا، اجتمع ما ترى أو تفرّق تراه وإكليله الصبر والتحدّي. أن ترى كلّ هذا الخليط ليس أنّك تعاني حالة لا تفسير لها وإن كنت أنت والمعاناة رفيقيّ عمر، وإنّما ترى ذلك لأنّ لا مكان في عينيك في الأقفاص الزجاجيّة للعيون الجذلى. هذا ما كان يجول في خاطري وأنا أرشف كلمات "جلال" وهو يحاول أن يقرأ عليّ الألم المتحدّي وقد استولى على كلّ بارقة في كيانه وهو يصف ما كان حلّ به ذاك اليوم بعد أن ترك القفص الزجاجيّ (1) إلى قفص الزرْب الحديديّ (2)، وظلّ يرافقه وهو يسير في الكُمّ (3) وبعض رفاقه وخلفهم سجّان وأمامهم آخر، الكمّ الواصل بين الأقفاص والقواويش الزنزانيّة (4). لم تكن تلك "الرحلة" هي الأولى له عبر الأقفاص والأكمام ذهابًا وإيابًا وما كانت لتكون الأخيرة، فالرحلات مثلها لا تعدّ. زفة لام العريس محمد القفيني. ولكنه أبدًا لم يرَ قبلًا ما رأى ذاك اليوم في عينيّ أمّه في القفص الزجاجيّ وقد كان من المفروض أن يرى عينيّا غيره ذاك اليوم. وهذا الذي كان جعله يغيب عن جوّ زملائه الفرِح فرحًا من النوع الذي يتذوّقون طعمه فقط في مثل ذاك اليوم ومرّة في الشهر في الأحوال الاعتياديّة في الأسر، ولأنّه كذلك يصير أداة قمع في الأحوال غير الاعتياديّة وهي الغالبة، وحسب مزاج صاحب البيت.
زفة لام العريس للعزباء
اقوى زفه يمنية _ محلا العريس لا لبس ناااار _ زفات يمنية 2022 - YouTube
ذاك الغياب جعل النزلاء الزملاء يذهبون به شتّى المذاهب، خصوصًا وأنّ الأقفاص الزجاجيّة لا تأت دائمًا بالأفراح، ويا ما حمل زجاجها أحزانًا ودموعًا. وفّر الزملاء عليه، تفهّمًا، الأسئلة التقليديّة عن كيف الأهل وكيف… وكيف…، مكتفين بالقول التقليديّ؛ "مبروكة الزيارة"، متأكّدين أنّه سيفصح لاحقا عمّا جعله إثر الزيارة حاضرًا غائبًا عنهم، فأخبار عوائل النزلاء لم تكن مرّة من الخصوصيّات اللهم إلّا على ما ندر. كانت "مريم" أمّ جلال امرأة في أوائل العقد الرّابع من عمرها ما زال الشباب يفور فورانًا من وجنتيها، وتدأب ألّا تغيب البسمة عن وجهها وهي تستمع إليه، وتحمل له باسمة كلّ ما تعتقد أنّه سيفرّج عنه همّ أيامه. لكن لا بريق عينيها المشارك ابتسامتها ولا كلامها استطاعا أن يخفيا ذلك الألم في بريق عينيها والذي أحسّ جلال وكأنه يراه للمرّة الأولى. حين كان الحبّ والفرح الممزوجين بالألم يُهاجَمان كرهًا لتتّسع المآقي منهما، لم يكن لا جلال ولا امّه بحاجة لاجتهاد لقراءةِ ما في الأعين، إذا كان هذا يحطّ فيها دوريّا بمرور السجّان خلفها أو الآخر خلفه من جانبي الزجاج يسترقان السّمع والنظر. زفات مميزة: زفة لام العريس. حين راح جلال في قيلولته الظهريّة ظلّت أفكاره في القفص الزّجاجيّ وهذا الاختلاط الذي رآه في عينيّ أمه رغم أنّها ليست المرّة الأولى التي يرى مثل ذاك الاختلاط.