فسر المؤلف كثيرا مما يورده من الغريب في النصوص التي يذكرها انظر ص29 ج1 كمثال على ذلك:
نقل المؤلف عن ابن قتيبة في عيون الأخبار وغيرها من كتبه كثيرا جدا ولم يوفه حقه إلا نادراً. أكثر المؤلف من نقل الأشعار بطريقة ملفته. يعزو في الغالب كل قول إلى قائله. المؤلف له مشاركات جيده من شعره يوردها في نهاية كل كتاب تقريباً (ولو قام احدهم بجمعها وتتبعها لجاءت في ديوان من الحجم الوسط). يمهد لكل قسم من أقسام الكتاب قبل الدخول إليه بفرش وتمهيد بسيط. أكثر المؤلف من نقل الأشعار وإيرادها في هذا الكتاب (فكما يقال الشعر ديون العرب). من هو مؤلف كتاب العقد الفريد - منبع الحلول. المؤلف له اطلاع واسع ومحفوظ جيد من الأشعار. قد يذكر حكماً فقهياً في الباب الذي يتكلم فيه كما فعل في الرهن عند التعرض للكلام في الخيل والسبق انظر ج1 ص 197 و 198 وعند الكلام على النبيذ والخمر والغناء في أواخر الكتاب. غالب ما أورده المؤلف من الأحاديث لا يثبت بل هو في عداد الضعيف أو الموضوع. قد يكرر المؤلف الشيء بعد الشيء والعهد به قريب. ما ذكره المؤلف من الأحاديث قليل جداً على ضعفه بالنسبة لحجم الكتاب. لا يعزو ما يذكره من الأحاديث الا في النادر ما عدا ما ينقله من مصنف ابن أبي شيبة فيعزو إليه كثيرا ولا أدري ما السبب.
تنزيل كتاب العقد الفريد
وفي مقدمة الكتاب أشار المصنِّفُ إلى عنوانه ، والسبب في اختياره فقال: «وسميته كتاب (العِقد الفريد) لما فيه من مختلف جواهر الكلام، مع دقة السلك وحسن النظام، وجزأته على خمسة وعشرين كتابًا، كل كتاب منها جزآن، فتلك خمسون جزءًا، في خمسة وعشرين كتابًا، وقد انفرد كل كتاب منها باسم جوهرة من جواهر العقد». هذه الفكرة عن التسمية التي ذكرها المصنِّف في المقدمة؛ تقطع كل ما دار حول العنوان من أقاويل، وتؤكِّد أن اسمه ( العقد الفريد)، وأنه قائم على التخييل والتشبيه، كما يؤكِّد ذلك أيضاً تقسيم الكتاب ، وتسمية كل قسم منها، فقد تخيَّل ابن عبد ربه كتابه عقداً منظوماً، وسمّى كل باب باسمٍ من أسماء ذلك العقد؛ والعقد في حقيقته يتكوّن من خمس وعشرين حبة ثمينة، لكل حبة منها اسم معروف، وأنفس حبات العقد هي الحبة الوسطى التي تسمّى ( واسطة العِقد)، عن يمينها اثنتا عشرة حبة، وعن يسارها اثنتا عشرة حبة أخرى، وأسماء الحبات من جهة اليمين تختلف. وهي على هذا النحو مبدوءة من الواسطة عن اليمين ويقابلها مثلها عن اليسار:
المُجَنَّبَة، ثم العسجدة، ثم اليتيمة، ثم الدرة، ثم الزمردة، ثم الجوهرة، ثم الياقوتة، ثم المرجانة، ثم الجمانة، ثم الزبرجدة، ثم الفريدة، ثم اللؤلؤة.
فقد تصبح هذه النقطة مأخذاً عليه. وهكذا نحس وراء هذا المنهج فكراً ناضجاً، وشخصيةً تتصف بالذكاء والخبرة والتحضّر، وتجمع بين عدّة ثقافات متنوعة، فقد ذكَر المنهج كاملاً في كتابه حتى لا يترك القارئ في حيرة للبحث عن منهجه، وهو كما رأينا منهجٌ علميّ سديد، يتصل بالترتيب، ويتصل باختيار النماذج وكيفية توظيفها توظيفاً حسَناً، حتى تتّسم وتتّسق مع الأفكار، أو الموضوعات التي يعرضها، ثم لم يحرِم المتلقّي مِن مراعاة ظروفه من حيث التخفيف، وتقديم المعلومة في وقتٍ وجيز؛ حتى لا يملّ أو يجهد نفسه. أما بالنسبة لـ قيمة كتاب "العقد الفريد" في ميدان الأدَب؛ فإنّ الكتاب يمثّل موسوعةً ضخمة في الثقافة العربية، ودائرةَ معارفٍ تكاد تكون مكتملة الحلقات من الأخبار والنصوص الأدبية، ويُعَدّ أوّل كتاب في الأندلس من حيث الإفاضة والشمول والتنوّع، وكثرة التمثّل عن أدب المشارقة، كما يُعَدّ أيضاً مصدراً مهمّاً لمن يريد التعرّف على حياة العرب الأدبية والاجتماعية والسياسية وغيرها. كتاب العقد الفريد الجزء الاول. ورغم أنّ المؤلِّف لم يترك جانباً إلا وأشار إليه في كتابه، إلا أننا نجد أنّ السمة الأدبية سيطرت عليه من أوله حتى آخره في عَرض المادة العلمية بأسلوبٍ أدبي جيّد، والاستشهاد في كل موقف بما يستجاد من الأدب، فصاحبه أديب بارع.
وهذا هو مفرق الطريق.. ولكل أن يختار. عن بينة. وعن تدبر. وبعد العلم والتفكير..
تنـزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم - الآية 2 سورة الأحقاف
والذي يعلم ما تكن صدورهم من خفايا الصدور: إن تكفروا فإن الله غني عنكم. ولا يرضى لعباده الكفر. وإن تشكروا يرضه لكم. ولا تزر وازرة وزر أخرى. ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون. إنه عليم بذات الصدور..
إن هذه الرحلة في بطون الأمهات هي مرحلة في الطريق الطويل. تليها مرحلة الحياة خارج البطون. ثم تعقبها المرحلة الأخيرة مرحلة الحساب والجزاء. بتدبير المبدع العليم الخبير. والله - سبحانه - غني عن العباد الضعاف المهازيل. إنما هي رحمته وفضله أن يشملهم بعنايته ورعايته. تنـزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم - الآية 2 سورة الأحقاف. وهم من هم من الضعف والهزال! إن تكفروا فإن الله غني عنكم..
فإيمانكم لا يزيد في ملكه شيئا. وكفركم لا ينقص منه فتيلا. ولكنه لا يرضى عن كفر الكافرين ولا يحبه: ولا يرضى لعباده الكفر.. وإن تشكروا يرضه لكم..
ويعجبه منكم، ويحبه لكم، ويجزيكم عليه خيرا. وكل فرد مأخوذ بعمله، محاسب على كسبه; ولا يحمل أحد عبء أحد. فلكل حمله وعبؤه: ولا تزر وازرة وزر أخرى..
والمرجع في النهاية إلى الله دون سواه; ولا مهرب منه ولا ملجأ عند غيره: ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون..
ولا يخفى عليه من أمركم شيء: إنه عليم بذات الصدور..
هذه هي العاقبة. وتلك هي دلائل الهدى.
تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ-آيات قرآنية
وأساس الحق الذي أنزل به الكتاب، هو الوحدانية المطلقة التي يقوم عليها الوجود. وفي الآية الخامسة من السورة يجيء: خلق السماوات والأرض بالحق. فهو الحق الواحد الذي قامت به السماوات والأرض، وأنزل به هذا الكتاب. الحق الواحد الذي تشهد به وحدة النظام الذي يصرف السماوات والأرض; والذي ينطق به هذا الكتاب. الحق الذي يتسم به كل ما خرج من يد الصانع المبدع في هذا الوجود.. فاعبد الله مخلصا له الدين. والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أنزل إليه لكتاب بالحق. وهو منهجه الذي يدعو إليه الناس كافة.. عبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، وقيام الحياة كلها على أساس هذا التوحيد. وتوحيد الله وإخلاص الدين له، ليس كلمة تقال باللسان; إنما هو منهاج حياة كامل. إعراب قوله تعالى: تنـزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم الآية 1 سورة الزمر. يبدأ من تصور واعتقاد في الضمير; وينتهي إلى نظام يشمل حياة الفرد والجماعة. والقلب الذي يوحد الله، يدين لله وحده، ولا يحني هامته لأحد سواه، ولا يطلب شيئا من غيره ولا يعتمد على أحد من خلقه. فالله وحده هو القوي عنده، وهو القاهر فوق عباده. والعباد كلهم ضعاف مهازيل، لا يملكون له نفعا ولا ضرا; فلا حاجة به إلى أن يحني هامته لواحد منهم. وهم مثله لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.
إعراب قوله تعالى: تنـزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم الآية 1 سورة الزمر
في ظلمات ثلاث..
ظلمة الكيس الذي يغلف الجنين. وظلمة الرحم الذي يستقر فيه هذا الكيس. وظلمة البطن الذي تستقر فيه الرحم. ويد الله تخلق هذه الخلية الصغيرة خلقا من بعد خلق. وعين الله ترعى هذه الخليقة وتودعها القدرة على النمو. والقدرة على التطور: والقدرة على الارتقاء. والقدرة على السير في تمثيل خطوات النفس البشرية كما قدر لها بارئها. وتتبع هذه الرحلة القصيرة الزمن، البعيدة الآماد; وتأمل هذه التغيرات والأطوار; وتدبر تلك الخصائص [ ص: 3040] العجيبة التي تقود خطى هذه الخلية الضعيفة في رحلتها العجيبة.. في تلك الظلمات وراء علم الإنسان وقدرته وبصره..
هذا كله من شأنه أن يقود القلب البشري إلى رؤية يد الخالق المبدع. تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ-آيات قرآنية. رؤيتها بآثارها الحية الواضحة الشاخصة والإيمان بالوحدانية الظاهرة الأثر في طريقة الخلق والنشأة. فكيف يصرف قلب عن رؤية هذه الحقيقة؟: ذلكم الله ربكم له الملك. لا إله إلا هو. فأنى تصرفون؟..
وأمام هذه الرؤية الواضحة لآية الوحدانية المطلقة، وآية القدرة الكاملة، يقفهم أمام أنفسهم. في مفرق الطريق بين الكفر والشكر. وأمام التبعة الفردية المباشرة في اختيار الطريق. ويلوح لهم بنهاية الرحلة، وما ينتظرهم هناك من حساب، يتولاه الذي يخلقهم في ظلمات ثلاث.
46-سورة الأحقاف 2 ﴿2﴾ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ هذا القرآن تنزيل من الله العزيز الذي لا يغالَب، الحكيم في تدبيره وصنعه. تفسير ابن كثير
يخبر تعالى أنه نزل الكتاب على عبده ورسوله محمد ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ، ووصف نفسه بالعزة التي لا ترام ، والحكمة في الأقوال والأفعال
تفسير السعدي
هذا ثناء منه تعالى على كتابه العزيز وتعظيم له، وفي ضمن ذلك إرشاد العباد إلى الاهتداء بنوره والإقبال على تدبر آياته واستخراج كنوزه.