ففائدة ذكر الاسم أنَّك تُسبِّحه ذاكرًا اسمه، فتقول: سبحان ربي الأعلى ، وتنطق بذلك؛ ولهذا النبي ﷺ كان إذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: سبحان ربي الأعلى ، ولم يقل: سبحان اسم ربي الأعلى، فهذا يُفسّر الآية، ويُبين المراد. ثم نقل عن شيخه الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله- فيقول بأنَّه عبَّر له عن هذا المعنى بعبارةٍ لطيفةٍ وجيزةٍ، فقال: "المعنى: سبِّح ناطقًا باسم ربِّك، مُتكلِّمًا به" [15] ، يقول ابنُ القيم: وهذه الفائدة تُساوي رحلةً [16]. يعني: سفرًا، يُسافر من أجلها، يقول: لكن لمن يعرف قدرَها [17]. ثم أفادنا الحافظُ ابن القيم -رحمه الله- فائدةً أخرى في الفرق بين قوله: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]، حيث دخلت الباء بِاسْمِ رَبِّكَ ، وفي سورة الأعلى قال: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى بدون باءٍ، فذكر وجه الفرق بينهما فقال: "بأنَّ التَّسبيح يُراد به التَّنزيه، والذكر المجرد دون معنًى آخر، ويُراد به ذلك مع الصَّلاة، وهو ذكرٌ وتنزيهٌ مع عملٍ" [18].
قول سبحان ربي الاعلى
ربي الربّ عرفنا أنَّه يأتي بمعنى السَّيد والمالك والمتصرِّف والمربِّي لخلقه، إلى غير ذلك من المعاني، وكلّها ثابتٌ لله -تبارك وتعالى-. سبحان ربي سيدي ومالكي وخالقي ومُتصرِّف في شؤوني، والمربي لعباده بالنِّعَم الظَّاهرة والباطنة. الأعلى هذا من أسماء الله -تبارك وتعالى-، ثابتٌ في القرآن والسُّنة، وهذا الحديث يدلّ لذلك، فالله -تبارك وتعالى- يقول: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1]، فهو أعلى من كل شيءٍ: أعلى في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فهو الأعلى، وله العلو المطلق: علو الذَّات، وعلو القدر، وعلو القهر، فكل العلو ثابتٌ لله -تبارك وتعالى-. وقوله هنا: سبحان ربي الأعلى ظاهرٌ أنَّ التَّسبيح لله -تبارك وتعالى-، وهذا يمكن أن يُفسَّر به قوله -تبارك وتعالى-: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، بدليل أنَّ النبي ﷺ كان إذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: سبحان ربي الأعلى ، مما يدلّ على أنَّ المرادَ بذكر الاسم: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ليس المقصودُ تسبيحَ الاسم، وإنما تسبيح الربِّ -تبارك وتعالى-، الذي هو المسمّى بهذا الاسم. وعبارات العُلماء -رحمهم الله- اختلفت في توجيه ذكر الاسم: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، لماذا ذكر الاسم؟ هل نقول: سبحان اسم ربي الأعلى؟ فنُسبِّح اسمه؟ هل هذا هو المراد؟
بعض أهل العلم قالوا: إنَّ المرادَ الربُّ، طيب، والاسم؟
بعضهم قال: إنَّه مُقْحَمٌ، أي: زائدٌ.
قول سبحان ربي الاعلى في السجود
وكذلك قوله: وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا. فالتسبيح هو إبعادُ صفات النقص من أن تُضافَ إلى الله، وتنزيهُ الربِّ سبحانه عن السوء، وعمَّا لا يليقُ به. قال ابن جرير: وأصلُ التسبيح لله عند العرب: التنزيه له من إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرئة له من ذلك. ونقل الأزهري في كتابه تهذيب اللغة عن غير واحد من أئمّة اللغة، تفسير التسبيح بالمعنى السابق. وقال: وجِماعُ معناه: بُعدُه تبارك وتعالى عن أن يكون له مثلٌ، أو شريكٌ، أو ضِدٌّ، أو نِدّ. اهـ. وعلى ذلك؛ فإن سبحان ربي... معناه: بعده سبحانه وتعالى عن كل نقص؛ فيقال: بَعُدَ ربي الأعلى عن كل نقص. والله أعلم.
سبحان ربي العلي الاعلى الوهاب
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. أيّها الأحبّة، في هذه الليلة نشرع في شرح الأذكار التي تُقال في السُّجود، وأول ما ذكره المؤلفُ هو جزءٌ من حديث حُذيفة الذي قد مضى شطرُه المتعلِّق بالركوع. حديث حُذيفة بن اليمان : أنَّه سمع النبيَّ ﷺ يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات [1]. وهذا الحديثُ أخرجه ابنُ ماجه. وقلنا: إنَّ ذكر "ثلاثًا" في حديث حُذيفة لا يخلو إسنادُه من ضعفٍ، وله شواهد، وهذه الشَّواهد أيضًا لا تخلو من ضعفٍ، لكن يتقوَّى بها، وذكرنا هناك من هذه الشَّواهد: ما جاء عن عبدالله بن مسعودٍ [2] ، وكذا عن جبير بن مطعم عند البزَّار [3] ، ومن حديث أبي مالكٍ الأشعري [4] ، وحديث أقرم بن زيدٍ الخزاعي [5] ، وحديث أبي بكرة -رضي الله عنهم أجمعين- [6]. وهذه كلّها جاء فيها التَّقييد بأنَّه كان يقول ذلك ثلاث مرات، لكن في أسانيدها ضعفٌ، ومن أهل العلم مَن رأى أنها تتقوَّى بمجموعها: كالشيخ: ناصر الدين الألباني -رحمه الله- [7] ، والشيخ شُعيب الأرنؤوط [8] ، وقد مضى ذكرُ ذلك. قوله في السُّجود: سبحان ربي الأعلى عرفنا أنَّ التَّسبيح بمعنى التَّنزيه، وهو يُنزه الله -تبارك وتعالى- ويُبرئه في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله عن كل عيبٍ ونقصٍ.
سبحان ربي الاعلي وبحمده
عن سلمة بن الأكوع قال ما سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا دعاء إلاّ استفتحه ب (سبحان ربّيَ العليّ الأعلى الوهاب) رواه أحمد والطبراني وفيه عمر بن راشد اليمامي وثّقه غير واحد، وبقية رجاله رجال الصحيح. 10 – 156 من مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين الهيثمي رحمه الله تعالى.
تأكيدا على هذه العلاقة تأمّل..
سورة النمل ترتيبها في المصحف رقم 27
ورد اسم اللَّه في سورة النمل 27 مرّة! وورد اسم اللَّه في سورة مُحمَّد 27 مرّة أيضًا! وأوّل آية يرد فيها ذكر "مُحمَّد" في القرآن عدد كلماتها 27 كلمة! الركوع في سورة مُحمَّد
حرف الراء تكرّر في سورة مُحمَّد 93 مرّة. حرف الكاف تكرّر في سورة مُحمَّد 75 مرّة. حرف الواو تكرّر في سورة مُحمَّد 192 مرّة. حرف العين تكرّر في سورة مُحمَّد 73 مرّة. هذه هي أحرف كلمة (ركوع) تكرّرت في سورة مُحمَّد 433 مرّة! هل تعلم إلى ماذا يشير هذا العدد؟! هذا العدد 433 يساوي 144 + 17 × 17
17 هو عدد الركعات المفروضة! 17 هو ترتيب اسم مُحمَّد في سورة مُحمَّد! 144 هو رقم أوّل آية يرد بها ذكر "مُحمَّد"! تأمّل هذه الحقائق الرقمية المذهلة! إن الدعاة إلى دين الحق في هذه الأيام بحاجة إلى فهم جديد للقرآن! بحاجة إلى أن يعرفوا ما أودع اللَّه عز وجل في كتابه من أدوات دعوية تناسب متطلبات العصر. لقد آمن العديد من غير المسلمين بهذا القرآن فقط لأنهم انبهروا ببعض الإحصاءات البسيطة الواردة فيه! علينا أن نفسح المجال لهذه الحقائق في دعوتنا إلى سبيل اللَّه ودينه الحق وكتابه العزيز.
اختلفوا في ناسخه وقال ابن زيد وغيره نسخها آية القتال من قوله تعالى: {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: ٥] ، قالوا ونسخت براءة كل موادعة حتى يقول لا إله إلا الله. وقال ابن عباس نسخها قوله تعالى: {فلا تهنوا ولا تدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون} [محمد: ٣٥]. إعراب قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به الآية 8 سورة العنكبوت. والذين ذهبوا إلى أنها غير منسوخة قالوا: أما آية القتال فليست بناسخة وإنما يعني بها من لا تجوز مصالحته مثل مشركي قريش ويعني بقوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم} من تجوز مصالحته وإن كان قوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} عامًا في مشركي العرب وغيرهم بآية براءة مخصصة له ولا معنى لدخول النسخ في هذا. وأما قو ابن عباس فضعيف لأن الآيتين ليس بينهما تعارض. وعلى الاختلاف في هذه الآية اختلفوا في جواز مهادنة الكفار. فلم يجز ذلك طائفة ورأوا الآية منسوخة، وقالوا إنما هو القتال أو الإسلام أو الجزية. وأجازته طائفة أخرى وإن كان على ما يؤديه المسلمون إليهم واحتجوا بالآية ولم يروها منسوخة، وبما روي أنه عليه الصلاة والسلام قد كان صالح عيينة بن حصن وغيره يوم الأحزاب على نصف ثمار المدينة حتى شاور الأنصار قالوا: يا رسول الله أهو أمر أمرك الله تعالى به أم الري والمكيدة.
وان جاهداك على ان تشرك بي
13-11-2016
2744 مشاهدة
يقول الله تعالى في سورة العنكبوت في حق الوالدين: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾. وَيَقُولُ في سُورَةِ لُقْمَانَ: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾. فلماذا قال في الأولى: ﴿لِتُشْرِكَ بِي﴾. وان جاهداك على ان تشرك بي. وفي الثانية: ﴿عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي﴾؟
رقم الفتوى:
7694
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَفِي الآيَةِ الأُولَى في سُورَةِ العَنْكَبُوتِ: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾. يَعْنِي: أَرَادَاكَ على الشِّرْكِ، بِأُسْلُوبٍ خَفِيفٍ، وَلَيْسَ شَدِيدَاً، وَلَيْسَ فِيهِ إِلْزَامٌ، فَلَا طَاعَةَ لَهُمَا عَلَيْكَ. أَمَّا في الآيَةِ الثَّانِيَةِ في سُورَةِ لُقْمَانَ: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾. يَعْنِي: أَرَادَاكَ على الشِّرْكِ بِأُسْلُوبٍ شَدِيدٍ، وَفِيهِ إِلْزَامٌ وَإِكْرَاهٌ وَبِقُوَّةٍ وَبِشِدَّةٍ، فَلَا طَاعَةَ لَهُمَا عَلَيْكَ.
وان جاهداك على ان تشرك بی سی
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ وهم المؤمنون باللّه، وملائكته وكتبه، ورسله، المستسلمون لربهم، المنيبون إليه. واتباع سبيلهم، أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى اللّه، التي هي انجذاب دواعي القلب وإراداته إلى اللّه، ثم يتبعها سعي البدن، فيما يرضي اللّه، ويقرب منه. ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ الطائع والعاصي، والمنيب، وغيره فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فلا يخفى على اللّه من أعمالهم خافية. وان جاهداك على ان تشرك بی سی. ﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) أي: بالمعروف ، وهو البر والصلة والعشرة الجميلة ( واتبع سبيل من أناب إلي) أي: دين من أقبل إلى طاعتي ، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. قال عطاء عن ابن عباس: يريد أبا بكر ، وذلك أنه حين أسلم أتاه عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، فقالوا له: قد صدقت هذا الرجل وآمنت به ؟ قال: نعم ، هو صادق ، فآمنوا به ، ثم حملهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أسلموا ، فهؤلاء لهم سابقة الإسلام. أسلموا بإرشاد أبي بكر. قال الله تعالى: ( واتبع سبيل من أناب إلي) يعني أبا بكر ، ( ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) وقيل: نزلت هاتان الآيتان في سعد بن أبي وقاص وأمه ، وقد مضت القصة وقيل: الآية عامة في حق كافة الناس.
والمقصود من الآية هو قوله { وإن جاهداك لتشرك بي} إلى آخره ، وإنما افتتحت ب { وصينا الإنسان بوالديه حسناً} لأنه كالمقدمة للمقصود ليعلم أن الوصاية بالإحسان إلى الوالدين لا تقتضي طاعتهما في السوء ونحوه لقول النبي صلى الله عليه وسلم « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » ولقصد تقرير حكم الإحسان للوالدين في كل حال إلا في حال الإشراك حتى لا يلتبس على المسلمين وجه الجمع بين الأمر بالإحسان للوالدين وبين الأمر بعصيانهما إذا أمرا بالشرك لإبطال قول أبي جهل: أليس من دين محمد البر بالوالدين ونحوه. وهذا من أساليب الجدل وهو الذي يسمى القول بالموجب وهو تسليم الدليل مع بقاء النزاع ، ومنه في القرآن قوله تعالى: { قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد ءاباؤنا فأتونا بسلطان مبين قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمنّ على من يشاء من عباده} [ إبراهيم: 10 ، 11] فعلم أنه لا تعارض بين الإحسان إلى الوالدين وبين إلغاء أمرهما بما لا يرجع إلى شأنهما. والتوصية: كالإيصاء ، يقال: أوصى ووصّى ، وهي أمر بفعل شيء في مغيب الآمر به ففي الإيصاء معنى التحريض على المأمور به ، وتقدم في قوله تعالى { الوصية للوالدين} [ البقرة: 180] وقوله { وأوصى بها إبراهيم} في [ البقرة: 132].