* * *
وقوله: ﴿لا ظَلِيلٍ﴾
يقول: لا هو يظلهم من حرّها ﴿وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ﴾ ولا يُكِنُّهم من لهبها. وقوله: ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ﴾
يقول تعالى ذكره: إن جهنم ترمي بشرر كالقصر، فقرأ ذلك قرّاء الأمصار: ﴿كالْقَصْرِ﴾ بجزم الصاد. واختلف الذين قرءوا ذلك كذلك في معناه، فقال بعضهم: هو واحد القصور. * ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ﴾ يقول: كالقصر العظيم. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ﴾ قال: ذكر القصر [[لا يزال أهل الغباء في عصرنا يكتبونه، ويتبجحون بذكره في محاضراتهم وكتبهم، نقلا عن الذين يتتبعون ما سقط من الأقوال، وهم الأعاجم الذين يؤلفون فيما لا يحسنون باسم الاستشراق. ورد الطبري مفحم لمن كان له عن الجهل والخطأ رده تنهاه عن المكابرة. من الآية 29 الى الآية 40. ]]. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يزيد بن يونس، عن أبي صخر في قول الله: ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ﴾ قال: كان القرظي يقول: إن على جهنم سورا فما خرج من وراء السور مما يرجع فيها في عظم القصر، ولون القار.
- القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة المرسلات - الآية 30
- من الآية 29 الى الآية 40
- ما تفسير قوله تعالى انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب - إسألنا
- تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة المرسلات - الآية 30
وقوله: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾
يقول تعالى ذكره: ويل يوم القيامة للمكذّبين هذا الوعيد الذي توعد الله به المكذّيين من عباده.
من الآية 29 الى الآية 40
ويل يومئذ للمكذبين كرره لزيادة التوبيخ والتقريع. وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون أي وإذا أمروا بالصلاة لا يصلون. قال مقاتل: نزلت في ثقيف امتنعوا من الصلاة بعد أن أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها فقالوا: لا ننحني فإنها مسبة علينا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود. وقيل إنما يقال لهم ذلك في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون. وقيل المعني بالركوع: الطاعة والخشوع. ويل يومئذ للمكذبين بأوامر الله سبحانه ونواهيه. فبأي حديث بعده يؤمنون أي فبأي حديث بعد القرآن يصدقون إذا لم يؤمنوا به. قرأ الجمهور [ ص: 1573] يؤمنون بالتحتية على الغيبة. وقرأ ابن عامر في رواية عنه ، ويعقوب بالفوقية على الخطاب. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة المرسلات - الآية 30. وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: بشرر كالقصر قال: كالقصر العظيم ، وقوله: جمالة صفر قال: قطع النحاس. وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وهناد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم ، وابن مردويه من طريق عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس يسأل عن قوله: إنها ترمي بشرر كالقصر قال: كنا نرفع الخشب بقدر ثلاثة أذرع أو أقل ، فنرفعه للشتاء فنسميه القصر.
ما تفسير قوله تعالى انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب - إسألنا
{انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (34)} [المرسلات]
{ انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30)}: يقال لأهل النار يوم القيامة انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون, أليست هذه جهنم التي حذركم منها المرسلون؟؟ انطلقوا إلى ظلها ذي الثلاث شعب الذي لا ظل فيه حقيقي ولا يغني عن حر اللهيب. ثم يخبر تعالى عن لهب جهنم وصفته وأنه في حجم القصور الكبيرة وصفة الجمال السيارة. ويل ساعتها لكل مكذب بالله وآياته, ويل لم عادى الله ورسله وأوليائه. ما تفسير قوله تعالى انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب - إسألنا. قال تعالى: { انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (34)} [المرسلات] قال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى مخبرا عن الكفار المكذبين بالمعاد والجزاء والجنة والنار أنهم يقال لهم يوم القيامة " { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} ".
بسم الله الرحمن الرحيم
الله أعلم إن كان هذا التصور الثاني أقرب للحقيقة:
من المعلوم أن العذاب في جهنم يكون من أسفل و من فوق و العياذ بالله. يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) سورة العنكبوت فالنار التي في الأسفل تصدر دخانا داكنا يتكون فوق الإنسان, و انعكاس أشعة النار التي في الأعلى على الدخان يشكل ظلا ذي ثلاث شعب في الأسفل. جاء في تفسير بن كثير:
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ قال ابن عباس: ظل الدخان. و هذا الظل ليس ظليلا أي أنه لا يؤدي دور الظل في حجب الحرارة. وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) سورة الواقعة
بل هو يساهم في الحرارة مثل ما يقال الآن عن ظاهرة الاحتباس الحراري. على العكس من ظل الجنة, جعلنا الله و إياكم من سكانها. وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) سورة الحج
وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا أي: ظلا عميقا كثيرا غزيرا طيبا أنيقا.
ثم ذكر سبحانه المؤمنين فقال: إن المتقين في ظلال وعيون أي في ظلال الأشجار وظلال القصور ، لا كالظل الذي للكفار من الدخان ، أو من النار كما تقدم. قال مقاتل ، والكلبي: المراد بالمتقين الذين يتقون الشرك بالله ؛ لأن السورة من أولها إلى آخرها في تقريع الكفار على كفرهم. قال الرازي: فيجب أن تكون هذه الآية مذكورة لهذا الغرض وإلا لتفككت السورة في نظمها وترتيبها وإنما يتم النظم بأن يكون الوعد للمؤمنين بسبب إيمانهم ، فأما جعله سببا للطاعة فلا يليق بالنظم كذا قال. والمراد بالعيون الأنهار ، وبالفواكه ما يتفكه به مما تطلبه أنفسهم وتستدعيه شهواتهم. كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون أي يقال لهم ذلك ، فالجملة مقدرة بالقول ، وهي في محل نصب على الحال من ضمير المتقين ، والباء للسببية: أي بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة. إنا كذلك نجزي المحسنين أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي المحسنين في أعمالهم ، قرأ الجمهور في ظلال. وقرأ الأعمش ، والزهري ، وطلحة ، والأعرج " في ظلل " جمع ظلة. ويل يومئذ للمكذبين حيث صاروا في شقاء عظيم ، وصار المؤمنون في نعيم مقيم. كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون الجملة بتقدير القول في محل نصب على الحال من المكذبين: أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكير لهم بحالهم في الدنيا ، أو يقال لهم هذا في الدنيا ، والمجرمون: المشركون بالله ، وهذا وإن كان في اللفظ أمرا فهو في المعنى تهديد وزجر عظيم.
البكاء من خشية الله: فعينان لا تمسهما النار عينٌ بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله. هل من مستغفر فاغفر له. الإخلاص وحسن النية: وهو أن يقصد العبد وجه الله في عمله وعبادته كلّها. المحافظة على الصلوات في جماعة: فيؤدي الصلاة في وقتها ويزيدها بالسنن الرواتب. حسن الخلق: فسماحة الأخلاق والهين اللين يحرمه الله على النار. بهذا نختتم مقال هل يعتق الله في اخر ساعه من رمضان ، والذي بيّن صحة ان الله يعتق في اخر ساعة من رمضان، وذكر أحاديث نبوية شريفة صحيحة في العتق من النار، وأخرى غير صحيحة وموضوعة.
تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
عباد الله، لماذا نستغفر الله؟ نستغفر الله؛ لأننا أصحاب خطايا وذنوب، فكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. نستغفر الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم»؛ رواه مسلم. نستغفر الله؛ لأن الله فتح باب التوبة للمذنبين المستغفرين؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110]. تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. نعم ومن يُقْدِمْ على عمل سيِّئ قبيح، أو يظلم نفسه بارتكاب ما يخالف حكم الله وشرعه، ثم يرجع إلى الله نادمًا على ما عمل، راجيًا مغفرته وستر ذنبه، يجد الله تعالى غفورًا له، رحيمًا به. ما أرحم الله بنا، إن رجعنا إليه قبلنا، إن دعوناه أجابنا إن سألناه أعطانا، فهو سبحانه القائل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]. قل أيها الرسول لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي، وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تيأسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم، إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت، إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده، الرحيم بهم.
وَكَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا نَافِعُ، هَلْ جَاءَ السَّحَرُ؟ فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ، أَقْبَلَ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ حَتَّى يُصْبِحَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ حُرَيْثِ ابْنِ أَبِي مَطَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا فِي السَّحَرِ فِي نَاحِيَةِ المسجد وهو يقول: يا ربّ، أمرتني فأطعتُك، وهذا السَّحر فاغفر لي. فنظرتُ فإذا هو ابْنُ مَسْعُودٍ . وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ إِذَا صَلَّيْنَا مِنَ اللَّيْلِ أَنْ نَسْتَغْفِرَ في آخر السَّحر سبعين مرّة. الشيخ: هذا يُنظر في سنده، ابن مردويه يروي الغثَّ والسَّمين، والصَّحيح والسَّقيم، لا يُعتمد عليه إلا بعد النَّظر في الإسناد، فالاستغفار مأمورٌ به، جنس الاستغفار ولو آلاف المرّات، النبي ﷺ يقول: والله إني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرّة. شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:18- 19].