وكذلك فإِنّ الغفلة عن الآيات الإِلهية هي أساس البعد عن الله سبحانه، والإِبتعاد عن الله هو العلّة لعدم الإِحساس بالمسؤولية والتلوّث بالظلم والفساد والمعصية، وعاقبة ذلك لا تكون إلاّ النّار
بناءً على هذا، فإِنّ كلا الفريقين أعلاه - أي الذين لا يؤمنون بالمبدأ، أو لايؤمنون بالمعاد - سيكونان ملوّثين حتماً بالاعمال الذميمة، ومستقبل كلا الفريقين مظلم. إِنّ هاتين الآيتين توكّدان هذه الحقيقة، وهي أنّ إِصلاح مجتمع ما وإِنقاذه من نار الظلم والفساد، يتطلب تقوية رُكني الإِيمان بالله والمعاد اللذين هما شرطان ضروريان وأساسيان، فإنّ عدم الإِيمان بالله سبحانه سيقتلع الإِحساس بالمسؤولية من وجود الإِنسان، والغفلة عن المعاد يذهب بالخوف من العقاب، وعلى هذا فإِنّ هذين الأساسين العقائديين هما أساس كل الإِصلاحات الإِجتماعية.
تفسير قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ
قال قتادة في هذه الآية: إذا شئت رأيت صاحب دنيا لها يفرح ولها يحزن ولها يرضى ولها يسخط. {والذين هُمْ عَنْ آيَاتِنَا} أدلتنا {غَافِلُونَ} لا يعتبرون. قال ابن عباس {عَنْ آيَاتِنَا} محمد والقرآن غافلون معرضون تاركون مكذبون. قال الماوردي: قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} فيه تأويلان: أحدهما: لا يخافون عقابنا. ومنه قول الشاعر: إِذَا لَسَعَتْهُ النّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا ** وَخَالَفَهَا فِي بَيْتِ نَوْبٍ عَوَامِلُ الثاني: لا يطمعون في ثوابنا، ومنه قول الشاعر: أَيَرْجُوا بَنُوا مَرْوَانَ سَمْعِي وَطَاعَتِي ** وَقَوْمِي تَمِيْمٌ وَالْفَلاَةُ وَرَائِيَا اهـ.. قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {لا يرجون لقاءَنا} قال ابن عباس: لا يخافون البعث. {ورضُوا بالحياة الدنيا} اختاروا ما فيها على الآخرة. {واطمأنُّوا بها} آثروها. وقال غيره: ركنوا إِليها، لأنهم لا يؤمنون بالآخرة. {والذين هم عن آياتنا غافلون} فيها قولان: أحدهما: أنها آيات القرآن ومحمد، قاله ابن عباس. والثاني: ما ذكره في أول السورة من صنعه، قاله مقاتل. فأما قوله: {غافلون} فقال ابن عباس: مكذِّبون. وقال غيره: مُعْرِضون. قال ابن زيد: وهؤلاء هم الكفار.
وربما كان من الطبيعي لهذا الرضا بها والاطمئنان إليها، أن يكون خطّاً للسير ومنهجاً للسلوك، لأنّ ذلك يفرض الالتزام بقيمها وعلاقاتها وشهواتها وأهدافها، بعيداً عن كل القيم الروحية المتصلة بالله واليوم الآخر.
ثمة في القرآن الكريم كثير من الآيات جاءت ألفاظها متشابهة إلى حد كبير، يحسب قارئها أنها من باب التكرار، وما هي من التكرار، والمتأمل فيها لا بد أن يقف على معنى ما في هذه الآية، أو لطيفة ما في تلك. من هذا القبيل قوله سبحانه: { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} (النحل:61)، وقوله سبحانه أيضاً: { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا} (فاطر:45)، فالآيتان بينهما تشابه كبير، حتى يُهيّأ للقارئ أن هذه تلك، وتلك هذه، وما هما كذلك، وإليك بعض بيان لذلك. اذا جاء اجلهم. وردت آية النحل في سياق ذم عادة وأد البنات التي كان عليها أهل الجاهلية، الذين كانوا أهل شرك وظلم، فجاءت الآية عقب ذلك محذرة ومنذرة من عاقبة هذا الفعل. في حين وردت آية فاطر في سياق طلب القرآن من الناس السير في الأرض، والتفكر في خلق الله، ثم أتبع ذلك بالحديث عن أنه سبحانه لو أراد أن يؤاخذ الناس بأفعالهم المخالفة لشرعه لفعل ذلك، إذ لا يعجزه شيء سبحانه في الأرض ولا في السماء، ولكنه يمهل ولا يهمل، ويترك للناس فرصة ليراجعوا حساباتهم، ويتفكروا في عاقبة فعلهم.
اذا جاء اجلهم لا يستأخرون
تفسير و معنى الآية 34 من سورة الأعراف عدة تفاسير - سورة الأعراف: عدد الآيات 206 - - الصفحة 154 - الجزء 8. ﴿ التفسير الميسر ﴾
ولكل جماعة اجتمعت على الكفر بالله تعالى وتكذيب رسله -عليهم الصلاة والسلام- وقت لحلول العقوبة بهم، فإذا جاء الوقت الذي وقَّته الله لإهلاكهم لا يتأخرون عنه لحظة، ولا يتقدمون عليه. ﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ولكل أمَّة أجل» مدة «فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون» عنه «ساعة ولا يستقدمون» عليه. ﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: وقد أخرج اللّه بني آدم إلى الأرض، وأسكنهم فيها، وجعل لهم أجلا مسمى لا تتقدم أمة من الأمم على وقتها المسمى، ولا تتأخر، لا الأمم المجتمعة ولا أفرادها. ﴿ تفسير البغوي ﴾
( ولكل أمة أجل) مدة ، وأكل وشرب. وقال ابن عباس وعطاء والحسن: يعني وقتا لنزول العذاب بهم ، ( فإذا جاء أجلهم) وانقطع أكلهم ، ( لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) أي: ولا يتقدمون. اذا جاء اجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون. وذلك حين سألوا العذاب فأنزل الله هذه الآية. ﴿ تفسير الوسيط ﴾
أى: لكل أمة من الأمم ولكل جيل من الأجيال مدة من العمر محدودة في علم الله، فإذا ما انتهت هذه المدة انقطعت حياتهم وفارقوا هذه الدنيا بدون أى تقديم أو تأخير. وليس المراد بالساعة هنا ما اصطلح عليه الناس من كونها ستين دقيقة، وإنما المراد بها الوقت الذي هو في غاية القلة.
اذا جاء اجلهم
فالمقتول ميت بأجله ، فعلَم الله تعالى وقدَّر وقضى أن هذا يموت بسبب المرض ، وهذا بسبب القتل ، وهذا بسبب الهدم ، وهذا بسبب الحرق ، وهذا بالغرق ، إلى غير ذلك من الأسباب ، والله سبحانه خلق الموت والحياة ، وخلق سبب الموت والحياة. إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. وعند المعتزلة: المقتول مقطوع عليه أجله ، ولو لم يُقتل لعاش إلى أجله! فكان له أجلان ، وهذا باطل ؛ لأنه لا يليق أن يُنسب إلى الله تعالى أنه جعل له أجلاً يعلم أنه لا يعيش إليه البتة ، أو يجعل أجلَه أحد الأمرين ، كفعل الجاهل بالعواقب. ووجوب القصاص والضمان على القاتل لارتكابه المنهي عنه ومباشرته السبب المحظور. وعلى هذا يخرج قوله صلى الله عليه وسلم (صِلَةُ الرَّحِم تَزِيدُ فِي العُمُرِ) أي: سبب طول العمر ، وقد قدر الله أن هذا يصِلُ رحمه فيعيش بهذا السبب إلى هذه الغاية ، ولولا ذلك السبب لم يصل إلى هذه الغاية ، ولكن قدَّر هذا السبب وقضاه ، وكذلك قدَّر أن هذا يقطع رحمه فيعيش إلى كذا ، كما قلنا في القتل وعدمه " انتهى من "شرح العقيدة الطحاوية" (ص 100 ، 101).
القرآن الكريم - يونس 10: 49 Yunus 10: 49