فإن زاد أنفق على أهل بلده فأمته فالناس كلهم، وذلك منتهى الجود والسخاء. مثل الذين ينفقون أموالهم. وإنما يصعب على المرء الإنفاق على منفعة من يبعد عنه؛ لأنه فُطر على ألا يعمل عملاً لا يتصور لنفسه فائدة منه، وأكثر النفوس جاهلة باتصال منافعها ومصالحها بالبعد عنها، فلا تشعر بأن الإنفاق في وجوه البر الهامة، كإزالة الجهل بنشر العلم، ومساعدة العجزة والضعفاء، وترقية الصناعات، وإنشاء المستشفيات والملاجئ، وخدمة الدين المهذب للنفوس هو الذي به المصالح العامة حتى تكون كلها سعيدة عزيزة. فعلمهم الله تعالى أن ما ينفقونه في المصالح، يضاعف لهم أضعافاً كثيرة، فهو مفيد لهم في دنياهم، وحثهم على أن يجعلوا الإنفاق في سبيله. فمثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، وهي ما يوصل إلى مرضاته من المصالح العامة، لا سيما ما كان نفعه أعم وأثره أبقى، كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، أي: كمثل أبرك بذر في أخصب أرض نما أحسن نمو، فجاءت غلته مضاعفة سبعمائة ضعف، وذلك منتهى الخصب والنماء، أي أن هذا المنفق يلقى جزاءه في الدنيا مضاعفاً أضعافاً كثيرة، كما قال سبحانه: { فيضاعفه له أضعافا كثيرة} (البقرة:245). فالتمثيل للتكثير لا للحصر؛ ولذلك قال: { والله يضاعف لمن يشاء}، فيزيده على ذلك زيادة لا تقدر ولا تحصر، فذلك العدد لا مفهوم له، ولا يحد عطاؤه عليم بمن يستحق المضاعفة من المخلصين، الذين يهديهم إخلاصهم إلى وضع النفقات في مواضعها التي يكثر نفعها، وتبقى فائدتها زمناً طويلاً، كالمنفقين في إعلاء شأن الحق وتربية الأمم على آداب الدين وفضائله التي تسوقهم إلى سعادة المعاش والمعاد، حتى إذا ما ظهرت آثار نفقاتهم النافعة في قوة ملكهم، وسعة انتشار دينهم وسعادة أفراد أمتهم عاد عليهم من بركات ذلك فوق ما أنفقوا بدرجات لا يمكن حصرها.
مثل الذين ينفقون أموالهم
فأما المنفق في سبيله, فلا ينقصة عما وعده من تضعيف السبعمائة بالواحدة. (68). * ذكر من قال ذلك: 6032 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك, قال: هذا يضاعف لمن أنفق في سبيل الله -يعني السبعمائة- ( والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) ، يعني لغير المنفق في سبيله. * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: والله يضاعف لمن يشاء من المنفقين في سبيله على السبعمائة إلى ألفي ألف ضعف. وهذا قول ذكر عن ابن عباس من وجه لم أجد إسناده، فتركت ذكره. * * * قال أبو جعفر: والذي هو أولى بتأويل قوله: ( والله يضاعف لمن يشاء) والله يضاعف على السبعمائة إلى ما يشاء من التضعيف، لمن يشاء من المنفقين في سبيله. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الزمر - الآية 73. لأنه لم يجر ذكر الثواب والتضعيف لغير المنفق في سبيل الله، فيجوز لنا توجيه ما وعد تعالى ذكره في هذه الآية من التضعيف، إلى أنه عِدَة منه على [ العمل في غير سبيله، أو] على غير النفقة في سبيل الله. (69). * * * القول في تأويل قوله: وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ( والله واسع) ، أن يزيد من يشاء من خلقه المنفقين في سبيله على أضعاف السبعمائة التي وعده أن يزيده = (70).
أما المشهد الحي الذي يعرضه التعبير فهو أوسع من هذا وأجمل؛ وأكثر استجاشة للمشاعر، وتأثيراً في الضمائر. إنه مشهد الحياة النامية. مشهد الطبيعة الحية. مشهد الزرعة الواهبة. ثم مشهد العجيبة في عالم النبات: العُود الذي يحمل سبع سنابل. والسنبلة التي تحوي مائة حبة! وفي موكب الحياة النامية الواهبة يتجه - القرآن - بالضمير البشري إلى البذل والعطاء. إنه لا يعطي بل يأخذ؛ وإنه لا ينقص بل يزاد. وتمضي موجة العطاء والنماء في طريقها. تضاعف المشاعر التي استجاشها مشهد الزرع والحصيلة.. إن الله يضاعف لمن يشاء. يضاعف بلا عدة ولا حساب. يضاعف من رزقه الذي لا يعلم أحد حدوده". مثل الذين ينفقون اموالهم كمثل حبة. وأما الشيخ رشيد رضا فقد حلل هذا المثل القرآني تحليلاً نفسياً اجتماعياً، وذكر حوله كلاماً لا ينبغي أن يُغفل عنه في مثل هذا المقام، حيث قال: "أمر الإنفاق في سبيل الله أشق الأمور على النفوس، لا سيما إذا اتسعت دائرة المنفعة فيما ينفق فيه، وبعدت نسبة من ينفق عليه عن المنفق؛ فإن كل إنسان يسهل عليه الإنفاق على نفسه وأهله وولده، إلا أفراداً من أهل الشح المطاع، وهذا النوع من الإنفاق لا يوصف صاحبه بالسخاء، ومن كان له نصيب من السخاء سهل عليه الإنفاق بقدر هذا النصيب، فمن كان له أدنى نصيب، فإنه يرتاح إلى الإنفاق على ذوي القربى والجيران.
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) يقول تعالى مخبرا عن الكفار المستبعدين وقوع المعاد القائلين استفهام إنكار منهم لذلك ( أئذا كنا عظاما ورفاتا) أي ترابا قاله مجاهد وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس غبارا ( أئنا لمبعوثون) أي يوم القيامة ( خلقا جديدا) أي بعد ما بلينا وصرنا عدما لا يذكر كما أخبر عنهم في الموضع الآخر ( يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة) [ النازعات 10 12] قال تعالى: ( وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) [ يس 78 ، 79.
درس البعث والحساب للجذع المشترك - محفظتي
الي احدث السورة، وراجع لبقيه الروايات كتاب الدر المنثور و غيرة من كتب التفسير. والله اعلم. تفسير حلم يحيي العظام وهي رميم ما تفسير حلم قول يحي العظام وهى رميم ماتفسير رؤيه سوره يس ايه وقال من يحي عظام وهي رميم في منام صور ايه الأعراب أشد كفرا ونفاقا ضرب لنا مثلا ونسي خلقه فوائد الاية يحي العظام و هي رميم مافائدة وضرب لنامثلا ونسى خلقه و ضرب لنا مثلا و نسي خلقه 2٬027 مشاهدة
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة يس - الآية 78
** ورد عند القرطبي قوله تعالى:" وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ" (*) قيل: إن هذا الكافر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن سحقتها وأذريتها في الريح أيعيدها الله!
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: وهذا منكر؛ لأن السورة مكية، وعبد الله بن أبي بن سلول إنما كان بالمدينة. وعلى كل تقدير سواء كانت هذه الآيات قد نزلت في أُبي بن خلف، أو في العاص بن وائل، أو فيهما، فهي عامة في كل مَنْ أنكر البعث. انتهى. وقد ذكرنا أصح هذه الأسباب وأنها نزلت في العاص بن وائل مع تفصيل الكلام على ذلك في فتوى سابقة برقم: 53686 ، فراجعيها. والله أعلم.