وممَّن قال بعموم هذا الخطاب: البراء بن عازب، وابن مسعود، وابن عبَّاس، وأبيُّ بن كعب، واختاره جمهور المفسِّرين، ومنهم ابن جرير، وأجمعوا على أنَّ الأمانات مردودة إلى أربابها: الأبرار منهم والفجار، كما قال ابن المنذر) [247] ((فتح القدير)) (1/719).
د.حسام موافي: إذا لم يكن الطبيب قمة الأمانة فيما ينقله مما تعلمه.. فليس لعلمه قيمة - الأسبوع
قال: فقد تحملتها يا رب. قال مجاهد: فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر. وروى علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال} قال: الأمانة الفرائض، عرضها الله عز وجل على السموات والأرض والجبال، إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم. فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيما لدين الله عز وجل ألا يقوموا به. ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها. قال النحاس: وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٣ - الصفحة ٣٦٧. وقيل: لما حضرت آدم صلى الله عليه وسلم أمر أن يعرض الأمانة على الخلق، فعرضها فلم يقبلها إلا بنوه. وقيل: هذه ألأمانة هي ما أودعه الله تعالى في السموات والأرض والجبال والخلق، من الدلائل على ربوبيته أن يظهروها فأظهروها، إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها؛ قال بعض المتكلمين. ومعنى "عرضنا" أظهرنا، كما تقول: عرضت الجارية على البيع. والمعنى إنا عرضنا الأمانة وتضييعها على أهل السموات وأهل الأرض من الملائكة والإنس والجن {فأبين أن يحملنها} أي أن يحملن وزرها، كما قال جل وعز: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} العنكبوت: 13]. قوله تعالى: {وحملها الإنسان} قال الحسن: المراد الكافر والمنافق.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٣ - الصفحة ٣٦٧
قال تعالى: { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} ( الأحزاب: 72)
في تفسير هذه الآية كلام كثير وبخاصّة في بيان المقصود من الأمانة، ويُروى في ذلك أثر عن الترمذي الحكيم عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "قال الله تعالى لآدم: يا آدم إنّي عرضْت الأمانةَ على السّمواتِ والأرضِ والجبال فلم تُطِقْها، فهل أنت حاملها بما فيها؟ فقال: وما فيها يا ربَّ العالمين ؟ قال: إن حملتها أجرتَ، وإن ضيعتها عذِّبت. فاحتملها بما فيها، فلم يلبَث في الجنّة إلا قَدْرَ ما بين صلاة الأولَى إلى العَصر حتى أخرجَه الشّيطان منْها". د.حسام موافي: إذا لم يكن الطبيب قمة الأمانة فيما ينقله مما تعلمه.. فليس لعلمه قيمة - الأسبوع. فالأمانة هي التكاليف، وترتب الثواب على أدائها والعقاب على تضيعها لابد له من حريّة واختيار والمخلوقات غير الإنسان ليست لها هذه الحرية، فهي مسيّرة بقوانينَ ثابتةٍ لا تملِك الخروج عليها، ولا تتحقق بها الطاعة والمعصية. ومن هنا كان الإنسان أصلحَ المخلوقات للعيش على الأرض، ومتناسِبًا مع ما فيها من ماديّات ومعنويات مُتقابلة بالتضاد أو التناقض. وهذا تكريم من الله للإنسان حيث اختاره لحمل هذه الأمانة.
تبين الآية أولا أعظم امتيازات الإنسان وأهمها في كل عالم الخلقة، فتقول:
إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن
(٣٦٧)
الذهاب إلى صفحة:
««
«...
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372...
»
»»
ربي اني لما انزلت الي من خير فقير ، أمرنا الله عز وجل بأن نستعين به ونتوكل عليه في جميع أمور حياتنا، فنحن دائمًا وأبدًا في حاجة إلى الله، نحتاج إلى الافتقار والتذلل إليه، فرب السماوات والأرض هو من يقول للشئ كن فيكون، كما أن التقرب إلى الله والتضرع له ودعاءه هو من أشكال العبادة المحبببة إليه، ولذلك نورد خلال ذلك المقال على موسوعة معنى ربي إني لما أنزلت الي من خير فقير. معنى رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير:
لقد جاءت تلك الآية الكريمة في قصة سيدنا موسى عليه السلام عندما خرج إلى مدين في رحلته إليها، فأخبرنا القرآن الكريم عنها، وفي بداية القصة كان سيدنا موسى يتضرع إلى الله ويدعوه قائلًا: ( عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)، وكان في تلك الآية يثني على الله ويسأله من خيره، والخير كلمة تجمع كل ما يلائم الإنسان ويحقق له النفع معنويًا أو ماديًا. وأخبر أهل التفسير بأن سيدنا موسى سأل الله في هذا الوقت من الطعام لأنه كان شديد التعب والجوع، ولم يدخل الطعام إلى جوفه منذ سبعة أيام، وفي هذا إشعار بهوان الدنيا. ومعنى الدعاء أنه محتاج إلى الله لعطيه من الخير، ليدل على رفعة الله المعطي سبحانه وتعالى، واستجاب الله لدعاء سيدنا موسى، فأوجد الله له المأوى والطعام والزوجة الصالحة التي يسكن إليها ويأنس بها.
رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير للوظيفة
في ظل قوله تعالى
" رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير "ٌ
قال الطبري في قوله: "فقال رب إني لما أنزلت إلي من خيرفقير " محتاج وذكر أن نبي الله موسى عليه السلام قال هذا القول وهو بجهد شديد وعرض ذلك للمرأتين تعريضا لهما لعلهما أن تطعماه مما به من شدة الجوع. وقيل: إن الخير الذي قال نبي الله صلى الله عليه و سلم " إني لما أنزلت إلي من خيرفقير " محتاج إنما عنى به: شبعة من طعام
قال ابن كثير عند قوله: "ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ "
قال ابن عباس: سار موسى من مصر إلى مدين، ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر، وكان حافيًا فما وصل مَدْيَن حتى سقطت نعل قدمه. وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه لاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه وإنه لمحتاج إلى شق تمرة
وقال: فالدعاء الذي يتقدمه الذكر والثناء أقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه، كان أبلغ في الإجابة وأفضل.
ربي لما انزلت الي من خير فقير
حكم تضمين رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير في الدعاء:
قد سأل سيدنا موسى عليه السلام بالحال، واكتفى بإظهار حالته من الحاجة إلى الله والفقر بين يديه، ولم يصرح بالسؤال، مثل قول سيدنا أيوب عليه السلام: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، وقول سيدنا يونس: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). وأوضح ابن تيمية بأن سيدنا موسى وصف حاله بأنه فقير إلى ما ينزل الله من الخير، وهو بذلك يتضمن سؤال الله لينزل إليه الخير، وقال ابن كثير بأن السؤال قد يكون بالإخبار عن احتياج السائل وحاله كما فعل سيدنا موسى عليه السلام. وهذا يكون نوع من إظهار الذل لله والتضرع له والمسكنة بين يديه، فيعلم الله أنه فقير في حاجة إليه عز وجل، وأنه الوحيد القادر على أن يغنيه من فضله، فيتوسل بفقره إليه، وأن الله هو الغني القادر. فلا بأس من أن يدعو المسلم ربه بهذا لقضاء حاجته، لأنه يتضرع إلى الله بفقره إليه، وفيه وصف لفقر العبد، وغنى الله، وهو يناسب الرغبة فيما عند الله من البركة والخير. ومن أشكال التوسل المشروع أن يدعو العبد ربه بذكر حالته وما هو في حاجة إليه، ومنه ما قاله سيدنا موسى: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) فهو يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى أن ينزل عليه الخير.
معنى ربي اني لما انزلت الي من خير فقير
يقول سيد قطب في ظلال القرآن:
" ثم تولى إلى الظل "
مما يشير إلى أن الأوان كان أوان قيظ وحر ، وأن السفرة كانت في ذلك القيظ والحر.
" فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ". إنه يأوي إلى الظل المادي البليل بجسمه ، ويأوى إلى الظل العريض الممدود. ظل الله الكريم المنان. بروحه وقلبه:
" رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ". رب إني في الهاجرة. رب إني فقير. رب إني وحيد. رب إني ضعيف. رب إني إلى فضلك ومنك وكرمك فقير محووج. ونسمع من خلال التعبير رفرفة هذا القلب والتجاءه إلى الحمى الآمن ، والركن الركين ، والظل الظليل. نسمع المناجاة القريبة والهمس الموحي ، والانعطاف الرفيق ، والاتصال العميق: " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ". قال الشوكاني في الفتح عند قوله:
" ثم " لما فرغ من السقي لهما " تولى إِلَى الظل "
أي: انصرف إليه ، فجلس فيه. قيل: كان هذا الظل ظل سمرة هنالك. ثم قال لما أصابه من الجهد ، والتعب منادياً لربه " إِنّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ "
أيّ خير كان.
" فَقِيرٌ " أي محتاج إلى ذلك. قيل: أراد بذلك الطعام ، واللام في: " لِمَا أَنزَلْتَ " معناها: إلى. قال الأخفش: يقال: هو فقير له ، وإليه.
رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير للزواج
قال الشيخ: (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) هذه البلاد لا تتبع مصر، ولن يصلوا إليك هنا. يقول تعالى: ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [سورة القصص/25]، وفي هذا طمأنة الخائف بالكلمات الإيجابية وزرع التفاؤل في حياته، فموسى غريب في ذلك البلد وهو بحاجة لمجتمع صالح يأنس معه، ويحتاج لشخص يقف بجانبه في غربته. وهنا طلبت إحدى الفتاتين من والدها أن يتخذ موسى عليه السلام أجيرًا عنده لقوَّته وصدقه وأمانته قائلة له: ﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ [سورة القصص/26] سألها الأب: كيف عرفت أنه قوي؟
قالت: رفع وحده صخرة لا يرفعها غير عدد من الرجال. سألها: وكيف عرفت أنه أمين؟
قالت: رفض أن يسير خلفي وسار أمامي حتى لا ينظر إلي وأنا أمشي. فقال الشيخ لموسى: إني أريد يا موسى أن أزوجك إحدى ابنتي على أن تعمل في رعي الغنم عندي ثماني سنوات، فإن أتممت عشر سنوات، فمن كرمك، لا أريد أن أتعبك، (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).
حدثني نصر بن عبد الرحمن, قال: ثنا حكام بن سَلْم, عن عنبسة, عن أبي حصين, عن سعيد بن جُبَيْر ( إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: شَبْعَةُ يومئذ. حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان عن منصور, عن إبراهيم, في قوله, فقال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: قال هذا وما معه درهم ولا دينار. قال: ثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد ( إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: ما سأل إلا الطعام. حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة بن الفضل, عن سفيان الثوري, عن ليث, عن مجاهد, في قوله: فقال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: ما سأل ربه إلا الطعام. حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي قال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: قال ابن عباس: لقد قال موسى: ولو شاء إنسان أن ينظر إلى خُضْرة أمعائه من شدة الجوع, وما يسأل الله إلا أكلة. حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قَتادة, قال: ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنـزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: كان نبي الله بجهد.