كان إبراهيم ملهمًا في سؤاله، موفقًا في استفساره، فهو كالطبيب حاول أن يتحسس الداء ليصف الدواء، وهو يريد أن يوضح بطلان عملهم وإلزامهم الحجة، وحينئذ لا يجدون مناصًا من اتباعه وطاعته، عند ذلك أخذ ينقد زائف آرائهم ويبيّن فاسد اعتقادهم، فقال: هل يسمعونكم إذا دعوتموهم، أو يسمعونكم أو يبصرونكم، وهل ينفعونكم أو يضرونكم؟!
(12) إبراهيم عليه السلام والطيور الأربعة - إن إبراهيم كان أمة - طريق الإسلام
ثمّ هاجر الى مصر بسبب القحط في فلسطين، وتزوّج هناك هاجر، وأنجب منها إسماعيل وهو بالسادسة والثمانين من العمر، أمّا سارة فأنجب منها إسحاق، وكلاهما من الأنبياء.
سؤال سيّدنا إبراهيم لله وسأل إبراهيم ربَّه أن يطلعه على كيفية بعث الأموات ليزداد طمأنينة بتلك البينات، فجمع الله -تعالى- له أجزاء الطير بعد أن وزّعهن إبراهيم على الجبال متفرقات. هجرة سيّدنا إبراهيم ثم كان اعتزال إبراهيم لقومه مصطحبا زوجته سارة، ومهاجراً إلى ربه مع لوط ابن أخيه ومن آمن معهم إلى حران في الشام، ثم تابع سيره إلى مصر، ونجى الله سارة وإبراهيم من طغيان فرعون ذلك الزمان، وأهدى له هاجر أم إسماعيل -عليهما السلام-. قصه سيدنا ابراهيم عليه السلام كامله. ثم ارتحل إبراهيم إلى الشام وأقام بين الرملة وإيلياء، وفي ذلك الوقت أرسل الله لوطاً إلى أهل سدوم وكان ما كان من قصته معهم في القرآن الكريم وعقاب الخسف الذي نزل بهم. ولادة إسماعيل وإسحاق -عليهما السلام- ثم ولدت هاجر إسماعيل -عليه السلام-، فحزنت سارة لذلك، فوهبها الله إسحاق بعد أن ظنت نفسها أنها عجوز عقيم. الهجرة إلى وادٍ غير ذي زرع ارتحل إبراهيم بهاجر وولدها إسماعيل إلى واد غير ذي زرع، وكانت لهم من الله الكرامة حين فجر لهم زمزم عذبة رقراقة، وبعد ذلك ماتت هاجر بمكة، وقدم إبراهيم إلى إسماعيل في مكة، وبنيا الكعبة بيت الله الحرام. اختبار الله لنبيّه إبراهيم جاء الاختبار من الله لإبراهيم وإسماعيل فأظهرا أتم صور الطاعة والتسليم، وفدى الله إسماعيل الذبيح بالكبش العظيم، وسن لنا الله -تعالى- من سعيهم وبذلهم مناسك الحج وشعائره في مكة التي أضحت بدعوة نبي الله إبراهيم مباركة عامرة.
الدليل: روي البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (يعقد الشيطان على قافيه رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ ، فذكر الله تعالى ، انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى أنحلت عُقده كلها ، فأصبح نشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان). الفائدة الثالثة:
إن من صلى الصبح فهو في أمان الله عز وجل وحفظه ، ليس للشيطان عليه سبيل كما يُفيد قوله – صلى الله عليه وسلم: (فهو في ذمة الله). لأن الذمة تعني العهد والأمان معاً. ومن واظب على صلاة الصبح في جماعة يعرف ذلك من نفسه فهو من أكثر الناس ذكراً ، وأطيبهم نفساً ، أعظمهم نشاطاً ، وأسرعهم إلى فعل الخيرات ولزوم الطاعات ، وترى على وجهه سيما الصالحين وسماحة المتقين. وإنك لتبصر في وجوه هؤلاء المصلين المواظبين على الصلاة في أوقاتها مع الجماعة – نوراً لا تبصره فيمن يؤخر الصلاة عن وقتها أو ينام عن صلاة الصبح. (( والحمدلله رب العالمين))
شرح حديث مَنْ صلَّى الصبحَ فهو في ذِمَّةِ اللهِ، فانظُرْ يا ابنَ آدمَ، لا يَطْلُبَنَّكَ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيء
من واظب على الصلاة في أوقاتها وأداها بخشوع وخضوع ، فقد حصن نفسه من هواجس النفس ووساوس الشيطان ، وإذا اقترف من الصغائر شيئاً كفرتهُ الصلاة ، فهو مغفور له أبداً ما أجتنب الكبائر. قال الله تعالى في سورة هود الآية (114):
(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ). والمراد بالحسنات في الآية: الصلوات الخمس على وجه الخصوص ، وسائر الأعمال الصالحة على وجه العموم. والمراد بالسيئات: الصغائر – الدليل على ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تُغش الكبائر). رواه مسلم. هذه الوصية تدعو كل مسلم إلى المحافظة التامة على الصلوات الخمس في أوقاتها أولاً ، والوفاء بعهد الله في سائر الطاعات ، والتطلع إلى ما عند الله من ثواب ، والبعد عن غضبه وعقابه. قال عليه الصلاة والسلام: (من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله) أي في العهد الذى قطعه على نفسه وهو في صلاته ، فإنه حين أستجاب للداعي (المؤذن) الذى دعاه إلى الصلاة وأداها فإنه يكون قد عاهد خالقه ومولاه على السمع والطاعة في سائر يومه ، فإذا جآءت صلاة الظهر ، تذكر العهد وجدده ، وهكذا في كل صلاة حتى يصبح في اليوم التالي فيفعل مثل ما يفعل.
لكن رواية الطبراني وابن ماجه كما في صحيح الترغيب والترهيب ل لألباني تفيد التقييد بصلاة الصبح في جماعة، ولفظ الحديث: من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله، فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه. وعلى هذا، فإن هذه الرواية مقيدة لإطلاق الروايات الأخرى حيث إن الروايات الأخرى ظاهرها أن كل من صلى صلاة الصبح في جماعة أو منفردا فقد حصل على هذه الفائدة، ورواية الطبراني وابن ماجه تصرح بصلاته جماعة فقيدت إطلاق الروايات الأخرى فدلت على أن المراد من صلى الصبح في جماعة، ويؤيد هذا ما في تحفة الأحوذي عند شرح الحديث الوارد في هذا المعنى ورواية الترمذي: من صلى الصبح فهو في ذمة الله. فقال شارحه: من صلى الصبح في جماعة، ويؤيده أيضا ما في فيض القدير ل لمناوي حيث قال: من صلى الصبح في رواية مسلم في جماعة وهي مقيدة للإطلاق. انتهى. وخلاصة القول أن الظاهر من خلال ما مر أن الذي يحصل على هذه المزية هو من يصلي صلاة الصبح في الجماعة، ولا يبعد أن يحصل عليها من تخلف عن الجماعة لعذر، أو من كان الأفضل له الصلاة في بيته (النساء). وللفائدة انظر الفتوى رقم: 16965 ، والفتوى رقم: 5153. والله أعلم.