فنرى الدواعش، وأمثالهم قاتلهم الله، فإنهم اتخذوا غير سبيل اللين والحب سبيلاً للدعوة، وهو ما نهى الله عنه. من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
لم يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بإكراه الناس على دخول الإسلام. بل أمر سبحانه أن يدعوهم باللين، وبالحكمة، وبالموعظة الحسنة. ثم ترك الأمر بعد ذلك إلى المبلغين بدعواهم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر. وعند الله حسابهم وما على الرسول إلا البلاغ المبين. الصبر على أذى أعداء الدين
جعل الله سبحانه دعوة رسوله بناءها اللين والحكمة والحجة بالحجة والموعظة الحسنة. كيف تكون الموعظة حسنة ؟ - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. ثم أمره بالصبر على إيذاء الكافرين، على الرغم من قدرته صلى الله عليه وسلم وأصحابه على رد الأذى. وذلك لضرب المثل على الرسالة الكونية التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي السلام والمحبة، فديننا دين الحب والرحمة، فبالحب تنزع الكراهية من قلوب الأعداء. ثم جعل فوق الصبر الإحسان للأعداء وهذا لقول الله صلى الله عليه وسلم:
(افشوا السلام بينكم). اقرأ أيضا: فضل سورة آل عمران
تحدثنا في هذا المقال عن الآية الكريمة: ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) الآية ١٢٥ من سورة النحل، وفيها تحدثنا عن تفسير هذه الآية الكريمة ثم سياق تنزيلها، وكذلك عن أمر الله في اللين في الدعوة.
كيف تكون الموعظة حسنة ؟ - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
عن ابن عباس قال: لمّا انصرفَ المشركونَ عن قتلى أُحدٍ انصرفَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فرأَى منظَرًا أساءهُ رأى حمزةَ رضي الله عنه قدْ شُقّ بطنهُ واصطلِمَ أنْفه وجعدتْ أذناهُ فقال: "لولا أن يحزنَ النساءُ أو يكون سنةَ بعدي لتركتهُ حتّى يبعثهُ اللهُ من بطونٍ السِّباعٍ والطّيرٍ لأمثلنّ مكانه بسبعينَ رجلًا". ثمّ دعا ببردهِ فغطّى بها وجههُ فخرجتْ رجلاهُ فغطّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وجههُ وجعلَ على رجليهٍ شيئًا من الإذْخرِ ثمّ قدَّمهُ فكبرَ عليه عشرا ثمّ جعلَ يُجاءُ بالرّجلِ فيوضع وحمزةُ مكانهُ حتّى صلّى عليهِ سبعينَ صلاةً وكان القتلَى سبعينَ فلمّا دُفنوا وفرغَ منهم نزلت هذه الآيةُ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ.. }، إلى قوله {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلّا بِاللهِ}، فصبرَ رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ولم يُمثِّلْ بأَحَد. اقرأ أيضا: معنى آية وأذن في الناس بالحج
فوائد آية ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
على كل مسلم متفقّه في دينه، حمل مسؤولية الدّعوة إلى الله تعالى على كاهله، وعدم التّهاون بهذه المسؤوليّة. يجب على كل مسلم أن تكون دعوته بالكلمة الطّيّبة والخلق الحسن.
فأمر الله تعالى نبيّه محمّد _صلّى الله عليه وسلّم- بلين الجانب، كما أمر من قبله نبيّيه موسى وهارون -عليهما السّلام- حين أرسلهما إلى فرعون فقال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}. أما معنى قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، أي: قد علم الله تعالى شقيّهم من سعيدهم، وكتب ذلك عنده منذ الأزل، فادعهم إلى الله، ولا تتحسّر ولا تحزن على من لم يستجب لدعوتك منهم، فإنك لست بمجبر على هدايتهم، إنّما أنت نذير، وعليك فقط تبليغ الرّسالة التّي أوكلت إليك، وعلى الله الحساب، حيث قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ.. }. وجاء في تأويل الآية في التفسير الكبير: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.. }، بأنّ الله تعالى عندما أراد من النّبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ يسير على نهج إبراهيم الخليل -عليه السّلام- طلب منه أن يدعو إلى دين الإسلام بالحكمة، وأمره أن يدعو النّاس إلى الدّين الحنيف بإحدى الطّرق الثّلاث: بالحكمة أو بالموعظة الحسنة أو بالمجادلة باللّين والأسلوب الحسن، لقوله تعالى في سورة العنكبوت: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.