هذه العلاقة الوثيقة بين السكان الأصليين لأمريكا والأرض لم يفهمها الأوروبيون الذين ينظرون للأرض باعتبارها سلعة أو ملكية أو مصادر طبيعية أو رأس مال في مقابل الهنود الذين ينظرون للأرض باعتبارها وطنا وشيئا مقدسا. في محاضرة في مستعمرة الهنود الحمر بأورونو (المقامة على جزيرة منعزلة تسمى الجزيرة الهندية) قال أحد المحاضرين إن هناك فرق بين الطريقة التي يسمي الأمريكان بها الأرض والطريقة التي يسمي الهنود بها الأرض.. أسماء الأمريكان متعلقة بالأشخاص العظماء أو الصفات الحميدة مثل الأمل. "الهنود الحمر": ما قصة التمييز الذي يعانيه سكان كندا الأصليون؟ | حفريات. أما عند الهنود، فالأسماء تتحدث عن علاقة الإنسان بالأرض وما تستطيع هذه الأرض أن تقدمه للإنسان.. يستطيع الهنود مثلا معرفة فروع النهر التي لا تصلح للإبحار فيها بالقارب من مجرد ذكر الاسم. تحدثت (روبن كيمرر) عن هذا الاحترام للأرض فقالت: يستطيع الأمريكي المعاصر أن يسمي مئات الماركات العالمية لكنه لا يستطيع سوى تسمية القليل جدا من النباتات.. إن حفظ أسماء النباتات والحيوانات علامة على الاحترام، وتجاهل الاسم علامة على عدم الاحترام. لو أردنا أن ندعم الأرض فينبغي أن نبدأ بحفظ أسماء النباتات! وتكلمت عن مفهوم (الحصاد الشريف) ومبادئه: لا تحصد إلا ما تحتاج إليه، لا ما تريده، واترك شيئا للآخرين.
&Quot;الهنود الحمر&Quot;: ما قصة التمييز الذي يعانيه سكان كندا الأصليون؟ | حفريات
في منتصف القرن السادس عشر، ومع تفاقم الصراعات في القارة العجوز، بدأ الأوروبيون بالهجرة إلى أمريكا الشمالية، فشرعوا بإنشاء المدن وتشييد المستعمرات، وقد ساهمت زراعة التبغ ورواج تجارتها، ونشاط التنقيب عن الذهب بتدفق أعداد كبيرة منهم، خاصة من الإسبان والإنجليز، وهو ما تطلب الاستيلاء على الأراضي التي كان السكان الأصليون يعيشون فيها لصالح المهاجرين الجدد، ولذلك كان إفراغ هذه الأراضي منهم أمراً لا بد منه، لتبدأ عملية إبادة نحو 100 مليون مواطن أمريكي أصلي (بعض التقديرات تشير إلى أنهم أكثر من ذلك بكثير) ينتمون إلى 400 عرقية. عمليات التصفية
وقد تنوعت الأساليب التي استخدمت في عمليات تصفية الهنود الحمر على يد الرجل الأبيض، فالبنادق وحدها لم تكن كافية لإتمامها، ولذلك عمدوا إلى حرق المحاصيل من أجل تجويعهم، بل وحرقوهم هم أنفسهم، وسمموا مياه الشرب، كما نشروا الأمراض المعدية، إذ حين بلغ تنكيل الأوروبيين بهم مبلغاً عظيماً، طلب الهنود الحمر عقد معاهدات صلح، وهو ما وافق المستعمرون عليه، قبل أن يقوموا بإهدائهم أغطية تم جلبها من المصحات الأوروبية، محملة بالطاعون والدفتريا والحصبة والسل والكوليرا، في حرب بيولوجية منظمة قضت على أكثر من 80% من الهنود الحمر.
الحضارة والتقدم التي تعيشه أميركا اليوم والديمقراطية والمدن الكبيرة لم تقم إلا على أشلاء وجثث الهنود الحمر بعد محيهم من الوجود وارتكاب أبشع وأقذر المجازر بحقهم. نحو 100 مليون هندياً أحمر، هذا الرقم المهول من القتلى دفع الجلاد لتصوير الضحية على أنها كائنات همجية متوحشة لا علاقة للإنسانية بها. في صورة بدأت صناعتها منذ أن وطئت قدما الرجل الأبيض القارتين، إذ يصف أول كتاب إنجليزي عن الهنود الحمر نُشر عام 1511م السكان الأصليين بأنهم "وحوش لا تعقل ولا تفكر، كانوا يأكلون زوجاتهم وأبناءهم"، وذلك بحسب ما نقلت عالمة الإنسانية مارجريت هدجن. هذه الصورة استمر حفرها في أذهان الناس منذ خمسة قرون وحتى سنوات قليلة خلت عبر الإعلام والأفلام السينمائية والرسوم المتحركة، في محاولة للتغطية على المجزرة التي دامت نحو 300 عام تمت خلالها إبادة شعب بأكمله بأكثر الأساليب فظاعة ووحشية. وبالرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة حول أعداد السكان الأصليين الذين كانوا موجودين في تلك البلاد لحظة وطئتها أقدام الأوروبيين، إلا أن أكثر التقديرات تتوافق على أن عددهم في أمريكا الشمالية عام 1500م كان يناهز 100 مليون إنسان لم يبق منهم سوى ربع مليون فقط حسب إحصاء عام 1900م.